مقالات الرأى

أحمد فرغلي رضوان يكتب : أوبنهايمر و كلينيكس السياسة الأمريكية !

0:00

“أشعر أن يداي ملطختان بالدماء ” هكذا قال العالم ومخترع القنبلة الذرية أوبنهايمر  في لقاء بالبيت الأبيض جمعه مع الرئيس ترومان والذي نظر له ساخرا من الجملة ثم أعطاه منديلا وكأنه يقول الأمر سهل أمسح يديك من الدماء لينتهي كل شيء.
اللقاء كان عقب عملية إسقاط القنابل النووية فوق مدينتي هيروشيما و نجازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية وتأكيدا للانتصار الساحق للأمريكان وقتها ، هذا في رأيي المشهد الدرامي الأهم في فيلم ” أوبنهايمر” للمخرج كريستوفر نولان ، وعلى مستوى الإخراج كان مشهد تجربة الانفجار للقنبلة الذرية هو الأروع بالطبع والذي أستخدم نولان خلاله تفجيرات حقيقية ! في موقع التصوير الذي بناه في صحراء نيو مكسيكو.
كنت أنتظر كيف سيروي المخرج “كريستوفر نولان ” الجانب الأخلاقي في هذا العمل الكبير والذي ينتظره عشرات الملايين من جمهور السينما حول العالم ، بالطبع أمر جيد لإخراجه الجانب الأخلاقي بهذا الشكل حول هذا الاختراع المدمر للعالم  وعدم اغفاله ولخصه في جملة اوبنهايمر للرئيس الأمريكي ، وأيضا أوضحه في مشهد آخر أثناء كلمة أوبنهايمر في الاحتفال وسط تلاميذه ومساعديه عندما تخيل وسط صيحات الاحتفال بالنصر بعض تأثيرات القنبلة المدمرة على الشعب الياباني! حيث لم يعرض الفيلم مشاهد وثائقية من إلقاء هذه القنابل المدمرة فوق اليابان، و يعتبر هذا المشهد واحدا من أفضل المشاهد على مستوى الأداء لبطل الفيلم كيليان ميرفي بتعبيرات وجه وردود أفعال ممتازة ما بين الفرح والقلق والصدمة من تأثيرات القنبلة النووية على الإنسانية، ولكن بالطبع ندم أوبنهايمر لا يكفي عن اختراعه المدمر حيث كشف  الفيلم عن لقاء جمعه مع العالم أينشتاين والذي حذره من إكمال التجارب التي ستؤدي لاختراع يدمر العالم وكان هذا أيضا واحدا من أفضل مشاهد الفيلم على مستوى الإخراج و الأداء.
كعادة أفلام نولان يتلاعب في السيناريو بعنصر الزمن وتخلى عن التسلسل الزمني المعتاد لسرد روايته عن السيرة الذاتية للعالم “أوبنهايمر ” ولكنه اختار  تصوير بعض تلك الفترات بالأبيض و الأسود وهي ميزة فنية تحسب للفيلم سهلت على المشاهد الفصل بين الأحداث الكثيرة التي يرويها حول الشخصية الرئيسية “أوبنهايمر” حيث يروي سيرته منذ بداية دراسته في المرحلة الجامعية ورحلة نبوغه العلمي وصولا لتكليفه من جانب المؤسسة العسكرية لإشرافه على هذا الاختراع المدمر وإنجازه قبل أن تصل إليه ألمانيا وروسيا.
ولكن الفيلم لم يكتف بذلك بل ذهب السيناريو لكواليس الصراع بين اوبنهايمر و شتراوس “خصمه اللدود” وكذلك جزء من حياته العائلية والعاطفية ! وهنا كان يجب زيادة هذا الخط الدرامي في السيناريو طالما تحدث عنه ولكنه اكتفى بمشاهد معدودة جدا مع حبيبته لم يعرض نصفها في نسخة الشرق الأوسط و عرض فقط مشهد فقدانه لها وبكاءه ! وبدت حياته العاطفية “مرتبكة”.
الفيلم صور أيضا الصراع والمعاناة النفسية لاوبنهايمر بشكل جيد جدا بعد إسقاط القنابل النووية فوق اليابان، لأنه لم يعتذر صراحة عن اختراعه المدمر وصولا لجلسة التحقيق معه  وسحب الترخيص الأمني منه.
سيناريو الفيلم مليء بالتوتر من البداية وحتى النهاية  أجاد نولان كالعادة في شحن المشاعر لفترات كثيرة خلال الأحداث، بمساعدة موسيقى تصويرية رائعة للمؤلف الموسيقي السويدي لودفيج جورانسون وأتوقع حصوله على الأوسكار الثانية في مشواره عن هذا الفيلم.
بعض الجمهور لم يعجبه طول مدة الفيلم نحو ثلاث ساعات ولكن لحظات الملل كانت قليلة بسبب كثرة الأحداث والشخصيات ودون شك هو واحد من أفضل أفلام السير الذاتية في السينما العالمية.
نجح كريستوفر نولان في بناء فريق تمثيل كبير حتى في أدوار  صغيرة أحضر نجوم مثل جاري اولدمان و رامي مالك و فلورانس بيو .
صاحب الشخصية الرئيسية كيليان مورفي يقدم أداء ممتاز عبر أكثر من مرحلة زمنية بتفاصيل مذهلة وردود أفعال تعتقد أن أوبنهايمر هو من أمامك على الشاشة حتى نظراته كانت مقنعة ومؤثرة في مشاهد الانفجار و مشاهده في كلمته وتوتره والصراع النفسي الذي يشعر به ما بين النصر لبلاده وبين شعوره بالذنب لوفاة ما يقرب من ربع مليون شخص! بالطبع هو واحد من أفضل أداءات الممثلين خلال هذا العام وسيكون على قائمة المرشحين للأوسكار.
ايميلي بلانت كانت جيدة في دور الزوجة وقدمت مشهد جلسة التحقيق مع اوبنهايمر بشكل رائع و كذلك مات ديمون و روبرت داوني قدما أداء جيد.
السيناريو أعتمد على حوارات كثيرة ومطولة بين الشخصيات وبعضها كان “علميا” ، لذلك ظهر جزء من الفيلم وكأنه دراما وثائقية.
أخيرا الفيلم يكشف أن وقت الحروب لا توجد أخلاق و لا مسؤولية اجتماعية أو إنسانية، في السياسة لا مشاعر أو كما قال أحد معاوني اوبنهايمر تسقط القنبلة على العادل و الظالم !

زر الذهاب إلى الأعلى