مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : ‎دراما الثاني من أغسطس..أوجاع الاحتلال وذكريات لا تضيع

عندما يحل  الثاني من أغسطس من كل عام، يتذكر العالم عموما والعرب خصوصا والخليج تحديدا الغزو العراقي للكويت، وذلك بعد أن اتهم العراق الكويت بتجاوز حدوده الجنوبية واستخراج البترول من حقول تقع داخل الأراضي العراقية، كما أن العراق حاول دفع قروضه من الكويت التي اقترضها أثناء حربه ضد إيران والبالغة نحو14 مليار دولار عن طريق تقليل إنتاج منظمة أوبك ورفع  السعر، وهو ما رفضته دول الخليج وقتها، ليقرر وقتها الرئيس العراقي صدام حسين غزو الكويت واحتلالها لأسباب عديدة منها ما سبق بالإضافة إلى رفض الكويت تقديم 10 مليارات دولار معونة لا ترد لبغداد. وكان من الطبيعي أن تشهد منطقة الشرق الأوسط أحداثا جسام عقب الغزو الذي دفع العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي لطرد القوات العراقية من الكويت.
بعد مرور 3 عاما على الغزو والحرب، فكر المخرج السعودي عبد المحسن المطيري تصوير فيلم تسجيلي عن أحداثها بهدف ما أسماه “ترميم لما علق لدي جيل الأطفال وقتها”..التقى المطيري مع ممن كانوا أطفال وقت الغزو والحرب من مواليد الثمانينيات من القرن المنصرم، ليخرج ما ذاكرتهم من آثار الحرب رغم أنهم وقتها لم يكونوا ليدركوا ما حدث، فهم لا يزالون أطفالا صغارا غير قادرين على استيعاب أن تغزو دولة عربية دولة أخرى مجاورة مهما كانت الأزمة وراء ذلك. وقال المخرج السعودي إنه استهدف من فيلمه الذي جاء بعنوان “من ذاكرة الشمال”، إعادة ترميم لذاكرة الطفولة، فمن خلال حكايات أمام الكاميرا تم حصد معظم روايات الأطفال من خلال عقلية وحكايات الكبار وقتها. فقد أراد المخرج الغوص في فترة زمنية فارقة بين تاريخين.
بعد مرور نحو 33 عاما على الغزو، لن نتطرق كثيرا إلى وقائعه اليومية بعكس فيلم “من ذاكرة الشمال”، ولكن يتعين  الحديث عن خسائر الكويت في حرب الخليج الثانية، وتجسدت في دمار واسع النطاق للبنية التحتية خاصة البترولية والممتلكات، وتدمير العديد من المنشآت الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس والبنوك والمرافق العامة، وتم قتل مئات الكويتيين وأسر نحو 600 كويتي.  وقد أدى هذا الدمار إلى خسائر فادحة للاقتصاد الكويتي، وبلغت تكلفة إعادة إعمار الكويت بعد الحرب ما يقارب 150  مليار دولار أمريكي وفقا لتقديرات دولية.
العراق ذاته لم يكن بعيدا عن الخسائر، فقد تأثر بشدة جراء الحرب، من بينها خسائره البشرية الممثلة في جيشه وتدمير أجزاء كبيرة من بنيته التحتية، ناهيك عن خسائر  الحصار الذي فرضه التحالف الدولي وأدى  إلى نقص حاد في الإمدادات الغذائية والطبية والوقود، وتسبب في معاناة كبيرة للشعب العراقي. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة   التكلفة الاقتصادية الضخمة  جراء الحرب، و تقدر  بنحو 582 مليار دولار أمريكي  تشمل تكلفة ما دمرته الحرب واعمار الأصول المدمرة وتعويضات للكويت وديون خارجية متأخرة.
مخرج فيلم “من ذاكرة الشمال” قال إن فيلمه يمثل أغلب من عاصر الحرب أو سمع عنها وإنه حاول تنويع وجهات النظر لرؤية شريك الذكريات من جوانب عدة، بما فيهم أولئك الذين ولدوا بعد حرب الخليج الثانية  ولم يعاصروا أحداثها.

طبيعي ألا يتطرق الفيلم التسجيلي لمجمل أحداث وحرب الخليج الثانية، ولكن الواقع يؤكد أن  تأثيرات الحرب لم تكن قاصرة على العراق والكويت فقط، فقد تخطت آثارها حدود البلدين الي منطقة الخليج والشرق الأوسط بل والعالم أجمع، وتنوعت آثارها من بين  سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.  ربما نتجاوز الشقين السياسي والاقتصادي إلى الحديث عن التأثيرات الاجتماعية، لأن الحرب  أدت إلى تفاقم الصراعات الداخلية في بعض الدول العربية، وزادت من الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية في المنطقة.  وزادت وقتها  الهجرة والنزوح القسري للمدنيين في الدول المتأثرة بالحرب، مع زيادة الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وثقافيا، أدت الحرب إلى تغييرات كبيرة في الوعي العربي والإسلامي، وأثرت على الهوية الثقافية للمجتمعات العربية والإسلامية،  كما  أدت إلى زيادة الانتماء القومي والديني في العديد من الدول العربية، وزادت الحاجة إلى تحقيق الوحدة والتضامن بين الدول العربية والإسلامية.
بشكل عام، فقد أثرت حرب الخليج الثانية بشكل كبير على العرب ومنطقة الشرق الأوسط، وقد أدت إلى تغييرات جذرية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المنطقة كما سبق وأشرنا، غير أن ثمة بعدا مهما في الحديث عن الحرب، وهو ما يتعلق بالشق المصري،  فتأثيرها كان  كبيرا  على مصر التي تأثرت بشكل رئيسي على المستوى الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، تأثرت مصر جراء حرب الخليج الثانية بنقص في الإمدادات البترولية، حيث كانت تعتمد على الكميات الخام المستوردة من دول الخليج، مع ارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير بعد الحرب، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل،  ما أدي إلى تأثيرات مباشرة بالتوازي في قطاعات  مثل النقل والصناعة والزراعة والطاقة، ناهيك  عن إجلاء العديد من العمالة العمالة المصرية في الكويت والعراق مع تأثر  الصادرات المصرية بسبب تقليص الاستثمارات في المنطقة وتراجع الطلب على المنتجات المصرية.
كما أدت الحرب إلى تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية المصرية بحدوث تقارب أكبر بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج . ولا ننسى الإشارة هنا إلى أن مشاركة مصر في التحالف الدولي  أسهم في  تحسين مكانة مصر في المجتمع الدولي وترسيخ دورها الإقليمي كدولة عربية رائدة.
ربما يبدو غريبا الحديث ونحن نتكلم عن حرب عن بعدها  الاجتماعي في مصر، ولكن هذا هو واقع الحال وقت الحرب،  فالمشاركة في التحالف الدولي  فاقم الصراعات الداخلية ، حيث انقسمت النخب المصرية حول مدى تأييدها للمشاركة في الحرب ، وزادت الانتقادات للحكومة نتيجة مشاركة قوات مصرية في التحالف الدولي، ورأي المعارضون أن الأزمة أوقعت مصر في خانة الانحياز إلى دول الخليج والابتعاد عن العراق.
وإذا كان واقع التاريخ يقول  إن استمرار الحال من المحال، فهذا ما نراه حاليا، إذ تحسنت العلاقات بين الكويت والعراق بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بعد توتر لفترات طويلة أعقبت الغزو والحرب، وبدأ التحسن في العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام  2003، وتم ترسيم الحدود بين البلدين عام 2013 بعد مفاوضات طويلة. وفي عام 2017، تم الاتفاق بين البلدين على إعادة فتح منفذ حدودي بينهما لأول مرة منذ إغلاقه خلال حرب تحرير الكويت.
وفي عام 2018، قام وفد رفيع المستوى من الكويت بزيارة العراق لتعزيز العلاقات بين البلدين، وتم إبرام اتفاقيات بين البلدين في مجالات مختلفة مثل النقل والطاقة والتجارة. وفي عام 2019، تم توقيع اتفاق بين الكويت والعراق لبناء خط أنابيب لنقل النفط من العراق إلى الكويت.
ويمكن القول إن العلاقات بين الكويت والعراق تحسنت تدريجيا خلال السنوات الأخيرة، وتم التركيز على تعزيز التعاون الثنائي وحل القضايا العالقة بين البلدين. ومن المتوقع أن يستمر هذا التحسن في العلاقات في المستقبل القريب.
وتبقى هذه الحادثة الممثلة في غزو العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية،  واحدة من أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط، وهو ما تجسيده دراميا في أكثر من فيلم أمريكي حاولت هوليوود من خلال هذه الدراما تجاوز أزمة أمريكا النفسية التي تسببت فيها حرب فيتنام حيث تعرضت القوات الأمريكية لأهوال فظيعة خلال  فترة الحرب، وفي النهاية لم ينتصر الأمريكيون في هذه الحرب، فجاءت فرصة احتلال العراق للكويت ليستغلها الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش محاولا إحراز نصر عسكري كبير يجعل الأمريكيون هزائمهم في فيتنام.

زر الذهاب إلى الأعلى