مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : حرب جديدة على الأبواب..بولندا على طريق أوكرانيا

لم يكن الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو خارج وعيه عندما أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن مقاتلي “فاجنر” يرغبون في زيارة بولندا، ويطلبون منه الإذن بالرحيل إلى وارسو..وفي الحال ارتسمت ابتسامة خبيثة وذات معني على وجه بوتين.

مناسبة الحديث عن بولندا ووارسو وفاجنر هو تصريحات الرئيس الروسي الأسبوع الماضي وقال فيها إن المناطق الشرقية من بولندا الحالية كانت هدية من الزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين للبولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية. والمعروف أن مقاتلي فاجنر أدوا دورا رئيسيا في الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصا جبهة باخموت ولولاهم لما استولت القوات الروسية على المدينة الاستراتيجية الأوكرانية.

بوتين لم يتحدث كثيرا أمام أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي واكتفى بالتلميحات باحتمال اتساع رقعة الحرب الجارية في أوكرانيا، موجها اتهامات لبولندا وليتوانيا بتأجيج الصراع الحالي.

تعمد بوتين في الجزء المتاح للإعلام من الجلسة المشار إليها، التركيز على ما أسماه “الوحدة البولندية الليتوانية الأوكرانية”، وحذر من التمادي البولندي في تقديم مساعدات إلى أوكرانيا ومن بينها المرتزقة “الذين لن يعودوا إلى بلادهم مرة أخرى”، والمعنى واضح أنهم سيلقون حتفهم في حرب قادمة.

المتابعون للشأن الروسي وبوتين تحديد يتذكرون لهجة الرئيس الروسي قبيل هجوم قواته على شبه جزيرة القرم عام 2014، عندما أعلن أن المنطقة ملك لروسيا وأن الزعيم السوفيتي السابق ليونيد بريجنيف أهداها إلى أوكرانيا أثناء حكم الاتحاد السوفيتي .

يتوقع الروس أن بولندا تدرس مسألة بسط السيطرة على غرب أوكرانيا من خلال نشر قواتها هناك، وأن وارسو بدأت تدرك أن هزيمة أوكرانيا مسألة وقت، ولذا تعمل القيادة البولندية على تكثيف فرص فرض السيطرة على المناطق الغربية من أوكرانيا، من خلال نشر قواتها هناك.وهنا علق بوتين على هذه التوقعات التي جاء ذكرها خلال اجتماع المجلس القومي وقال إن بولندا “حصلت على أراضٍ كبيرة بفضل (الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين) ، ولكن إذا نسيت وارسو ذلك، فسوف تذكرها روسيا بذلك”.

وأضاف: «”ود أيضا أن أذكركم كيف انتهت هذه السياسة العدوانية لبولند، وانتهت بالمأساة الوطنية لعام 1939، عندما ألقي الحلفاء الغربيون ببولندا من أجل التهام الآلة العسكرية الألمانية وفقدت بالفعل استقلالها ودولتها، التي تمت استعادتها إلى حد كبير بفضل الاتحاد السوفيتي”.

ورأى بوتين إن تعزيز العلاقة البولندية الليتوانية الأوكرانية، الذي تظهر تقارير عنه في وسائل الإعلام، يشكل مقدمات لاحتلال أوكرانيا لاحقا.

وقال إن “نظام كييف مستعد لفعل أي شيء لإطالة أمد وجوده” وهنا عقد بوتين مقارنة بين نظام كييف بأسلافه الآيديولوجيين، أتباع بيتليوريون، الذين أبرموا في عام 1920 ما يسمى بالاتفاقيات السرية مع بولندا، والتي بموجبها منحوا بولندا، في مقابل الدعم العسكري، أراضي جاليسيا وفولينيا الغربية. وبدأت لهجة بوتين تتصاعد محملة بالاتهاما :”هؤلاء الخونة مستعدون اليوم لفتح البوابات أمام المالكين الأجانب وبيع أوكرانيا مرة أخرى”.

وقال الرئيس الروسي “بالنسبة للقادة البولنديين، ربما يتوقعون تشكيل نوع من التحالف تحت مظلة الناتو والتدخل المباشر في الصراع في أوكرانيا، من أجل اقتطاع جزء من أوكرانيا واستعادة أراضيهم التاريخية، كما يعتقدون، وهي مناطق غرب أوكرانيا.

ومن التاريخ إلى الواقع، ليقرر بوتين الكشف عن وجهه الحقيقي ليحذر من أن “طموحات قادة دول أوروبا الشرقية تؤجج الحرب وأنهم يشعلون نار الحرب بشكل مكثف، بما في ذلك عبر استخدام طموحات قادة دول أوروبا الشرقية، الذين طالما حولوا كراهية روسيا ورهاب روسيا إلى منتجهم التصديري الرئيسي وأداة لسياساتهم الداخلية. ثم توجه الي الشعب البولندي ليحذره من قياداته التي اتهمها بأنها تخدع الشعب، وأن دول شرق أوروبا لن تتحمل استكمال هذه اللعبة الخطيرة وعليهم التفكير في العواقب قبل التخطيط لتأجيج الحرب.

في عالم السياسة خاصة وقت الأزمات، لا تلتزم الدول بالصمت ولكنها تسارع بالاحتجاج، وهذا مع فعلته بولندا التي وصفت مواقف بوتين ودروسه في التاريخ بأنها استفزازية، وشددت في تصريحات للخارجية البولندية التى استدعت السفير الروسي لتقديم احتجاج شديد اللهجة ضد موسكو بشأن تصريحات بوتين، على أنه لا يمكن المساس بمسألة الحدود بين الدول على الإطلاق وأن وارسو تعارض أي مناقشة بشأنها.

بولندا لم تكتف بكلام وزارة الخارجية الدبلوماسي، إذ استغل رئيس وزرائها ماتيوش مورافينسكي الموقف ليصب اللعنات على روسيا وبوتين وأسلافه ” ستالين كان مجرم حرب ومسئولا عن مقبل آلاف البولنديين في الحرب العالمية الثانية وبعدها..وأن كلام بوتين محاولة لتلميع سمعة مجرم الحرب ستالين من قبل مجرم حرب آخر هو بوتين اليوم”..وحاول هو أيضا تذكير بوتين بأجزاء من التاريخ ربما لم يدرسها أو يكن على علم بها “جرى نقل حدود بولندا نحو 300 كيلو متر في اتجاه الغرب مقارنة بخريطة ما قبل الحرب تطبيقا لقرارات اتخذتها القوى العظمي في عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية..وزاد “بالتالي.. احتفظ الاتحاد السوفيتي بالأراضي التى ضمها عام 1939 في شرق بولندا، بينما ألحقت بعض المناطق التي كانت تابعة لألمانيا وبولندا.

الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتي ستنضم إليها بولندا وليتوانيا قريبا، لم تكن غائبة عن قمة حلف الأطلنطي “الناتو” التي استضافتها العاصمة الليتوانية فينلينوس، فكان البيان الختامي للقمة بمثابة قرار حر حتى وإن لم تستخدم كلمة “حرب”، على الأقل حرب باردة جديدة على الأبواب، حرب توقعها قادة الناتو، الأمر الذي سيعقد الأمور ويزيد أمد الحرب الأوكرانية الحالية..كما صورت كلمات بيان قمة الناتو شكل حرب محتملة بشكل كبير بين طرفين: دول الناتو من ناحية وروسيا والصين طرفا ثانيا، مع توسيع نطاق الحرب من عسكري ليشمل الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا.

ثمة مقولة يرددها العسكريون دائما وهي أن قرار الحرب صعب أن يتخذه الجنرالات في حين سهل جدا على القيادات السياسية اتخاذه..وهي مقولة صادقة بشكل كبير، فالجنرالات يدركون جيدا مدى أهوال الحرب وتكلفتها الباهظة وهي إن بدأت فمن الصعب وقفها، في حين لا يرى السياسيون سوى تحت أقدامهم، فلا يدرسون كافة الاحتمالات البديلة للحرب، ويعلنون القرار ولكنه يفشلون في اتخاذ قرار وقف الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى