Uncategorizedمقالات الرأى

مختار محمود يكتب: بزنس الهجوم على صاحب “العلم والإيمان”

“هناك من يناضلون من أجل التحرر من العبودية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية”..قولٌ مأثورٌ عن الدكتور مصطفى محمود ضمن آلاف الأقوال وعشرات الكتب ومئات الحلقات التليفزيونية التي تُشكل تراثه وميراثه الفكري والديني والأدبى، وجعلته علمًا في رأسه نار، ولو كره الكارهون وحقد الحاقدون.
في المقابل..فإن هناك كثيرين من الصغار احترفوا الإساءة إلى الكبار ووصمهم بالافتراءات والأكاذيب؛ ظنًا من عند أنفسهم الأمَّارة بالسوء أن مثل هذا السلوك الصبياني يضيف إلى أرصدتهم المتداعية.
لم يخجل أحد هؤلاء مؤخرًا عندما حلَّ ضيفًا على برنامج تليفزيوني من أن يخرج عن موضوع الحلقة؛ ليرمي الدكتور مصطفى محمود بكل نقيصة، ولم يجد حرجًا في أن يصف كتاباته ومُجمل أعماله بأنها لم تكن عميقة، وأنها تثير ضحكات الشباب عندما يقرؤونها الآن.
هذا الصغير يدرك تمامًا أنه- بمثل هذه الفرية- قد يقفز إلى “الترند”، فيذكره الناس قدحًا، على طريقة الأعرابي الذي بال في بئر زمزم، وهذا كل ما يشغل باله ويثير اهتمامه.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها صاحب برنامج “العلم والإيمان” إلى مثل هذا الهجوم غير المبرر وهذا الشطط الشيطاني، ولكن بقليل من الجهد والبحث..إذا رصدنا كل من اعتادوا الهجوم على الدكتور مصطفى محمود، فإننا سوف نتوصل إلى نتيجة حاسمة تفيد بأن الأخير ليس المقصود في حد ذاته، ولكن كل من هو على شاكلته ممن شكلوا ولا يزالون يشكلون، وهم في قبورهم، حوائطَ صدٍّ قوية وعنيفة، ضد الطاعنين في الإسلام والمُتجرئين عليه والمناوئين له.
على سبيل المثال.. فإن أبرز أساتذة الفلسفة العرب الدكتور عبد الرحمن بدوي يظل واحدًا من هؤلاء الذين يتعرضون للإساءة البالغة والممنهجة؛ عقابًا له على تركه مقاعد الناقدين للإسلام والناقمين عليه في بداية حياته العملية إلى مقاعد المدافعين عن حياضه في خواتيمها، وألَّف في سبيل ذلك 15 كتابًا مهمًا، لعل أبرزها: “دفاع عن القرآن ضد منتقديه”، و”دفاع عن النبي محمد ضد المنتقصين من قدره”.
الأمر ذاته بجميع تفاصيله، يمتد إلى فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة الدكتور زكي نجيب محمود، وكذلك الحقبة الأخيرة من حياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
وقبل هذه الأسماء كلها..يبقى اسم إمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولي الشعراوي هدفًا دائمًا لهؤلاء الصغار الباحثين عن الشهرة من كل باب.
ورغم هذه المحاولات الرخيصة فإنها لم تؤتِ ثمارها، ولم تحقق المرجو منها، ولم تنل من أقدار هؤلاء الأفذار، بل زادتهم علوًا وإكبارًا في نفوس وقلوب مُحبيهم.
إذن..نحن بصدد إشكالية شائكة تتمثل في أن كل من يتصدى للدفاع عن الإسلام ضد خصومه من الداخل أو الخارج يجب أن يظل في مرمى الهجوم والغضب، حتى لو طوت الأرض جسده منذ سنين طوال.
أمَّا الدكتور مصطفى محمود..فإنه لا يزال يمثل هاجسًا وعبئًا ثقيلاً على صدور وأفئدة المتجرئين على الإسلام، كما إن ذكره بينهم لا يتوقف أبدًا؛ بسبب تأثيره الممتد عبر حلقات برنامجه “العلم والإيمان” التي تحظى بمتابعة هائلة، سواء عبر منصة “يويتوب”، أو من خلال الفضائيات غير المصرية التي لا تزال تحتفي بها وتنتظم في إذاعتها، فضلاً عن عشرات الكتب التي تنحاز بكل كلماتها إلى الإسلام والذود عنه، مع الوضع في الاعتبار أن إنتاج أي عقل بشري هو ابن عصره وزمنه، ولن تنبغي محاكمته بأدوات وآليات عصر لاحق عليه.
لم يكن مصطفى محمود كاتبًا ومفكرًا وفيلسوفًا وإعلاميًا بارزًا فحسب، بل كان موسوعة علمية وثقافية وأدبية وأخلاقية رفيعة المستوى، قلَّ مثيلُها.
فى كتاباته الغزيرة والعميقة والمتنوعة.. لم يلجأ مصطفى محمود يومًا إلى السطو على أفكار غيره، بل كان هو نفسه، بكل تقلباتها وتحولاتها، من الإيمان إلى الإلحاد، ومن الإلحاد إلى الإيمان. وفى كلًّ..كان – رحمه الله- عفّ القلم واللسان، لم ينس يومًا أنه من طين مصر وترابها. لم ينس أن للعلم احترامه، وأن للأخلاق قيمتها. لم يُضبط يوما مُتلبسًا بسرقة كتابات وأفكار غيره ومقالاته وموضوعاته الصحفية كحال من يتطاولون عليه اليوم. كما لم يُضبط يوما مُبتذلاً حتى مع خصومه الذين كانوا يشتدون معه وعليه فى الخصومة، عندما تحيد أفكاره يمينًا أو يسارًا. جسَّد مصطفى محمود أخلاق الإسلام بأعماله الخيرية التي لا تزال ممتدة وباقية حتى الآن.
عندما كان هناك إعلامي توعوي وتربوي حقيقي.. كان المصريون يحتشدون مساء كل اثنين، أمام حلقة جديدة من برنامج “العلم والإيمان”؛ ليقدم مصطفى محمود لمتابعيه، بأسلوب راقٍ وبسيط ومُهذب ، كل ما هو جديد وغريب، من فنون العلم وحقائقه وأسراره، رابطًا العلم بالإيمان.
كان -رحمه الله- يرى العلم طريقًا مضمونًا للإيمان، ولكن المُتنمرين على الدكتور مصطفى محمود يظنون العلم طريقا للنيل من الدين.
رحم الله الدكتور مصطفى محمود، وجعل سخرية الساخرين منه والمتجاوزين بحقه في ميزان حسناته يوم يقوم الناس لرب العالمين، كما نسأله تعالى أن يحررهم من عبودية الباطل والاصطفاف في صفوفه.

زر الذهاب إلى الأعلى