مقالات الرأى

حازم عبده يكتب : رمضان في الفاتيكان (1)

أحرص دائماً على قضاء شهر رمضان في مصر مهما كانت الأجواء، غير أن ظروف الأسفار اضطرتني لقضاء بعضه أو كله خارج مصر، فكان شهر رمضان عام 1432هـ مواكباً لحر أغسطس 2011 ودخل الشهر وكنت في زيارة لمدة 15 يوماً في إيطاليا، وما أدراك ما إيطاليا في الصيف، حيث تستوطن فيها الشمس بكامل قوتها.
وفي أحد أيام الرحلة كانت الشمس قد ملأت سماء روما وأحالت شوارعها قيظاً لا يطاق، حيث تشير الساعة إلى الثانية ونصف من بعد الظهر، حين اجتزت الأعمدة الضخمة، الشاهقة الارتفاع لسور ساحة القديس بطرس بالفاتيكان التي تتوسطها المسلة المصرية التى نقلت إلى روما عام 37 ميلادي، حيث تحتل الكنيسة و ساحتها نحو نصف مساحة الدولة التي لا تتجاوز 104 أفدنة و سكانها نحو 900 شخص.
عشرات الآلاف من الزائرين من كل الأجناس والأديان يجتازون حدود مدينة روما إلى دولة مدينة الفاتيكان..، كثيرون مثلى جاءوا سائحين بحثاً عن فتنة العمارة وغواية الفن فيما أبدعه أعظم فناني عصر النهضة، بزعامة مايكل أنجلو، فى هذه الدولة الوحيدة فى العالم التى وضعتها اليونسكو بأكملها على قائمة التراث العالمى، وقليلون جاءوا بحثاً عن البركة فى هذه القلعة الكاثوليكية التى تتولى القيادة الروحية لأكثر من 1.2 مليار كاثوليكي حول العالم .
الفاتيكان اسم هضبة تقع خلف الهضاب السبع التي تتكون منها مدينة روما، وهى تقع على الضفة اليمنى لنهر التيبر، وعلى الرغم من اختلاف التفسيرات لهذا الاسم وجذوره إلا أن الإجماع يرده إلى الجذر اللاتيني “فاتيكانوس” وهى كلمة من مقطعين الأول “فاتيك” وتعنى مكان الرسول والثانى “أنوس” وهى تدل على كل ما يقع فى الخلف، وكانت هذه المنطقة في العصور القديمة، خالية من السكان، وتذكر بعض الروايات التاريخية أن هذا المكان شهد صلب القديس بطرس تلميذ السيد المسيح فى عام 67 م، ضمن حملة اضطهادات واسعة قادها الإمبراطور نيرون ضد المسيحيين.
أتأمل هذا البنيان العظيم الذى ترتفع قبته لمائة وعشرين متراً، وكيف كانت البداية بكنيسة صغيرة حملت اسم القديس بطرس عام 326م، ثم بنيت كاتدرائية القديس بطرس عام 1506م ؛ وعلى الرغم من كون روما المقر الدائم للبابوية إلا أن البابوات قبل القرن الرابع عشر كانوا قد اتخذوا من قصر لاتران في المدينة مركزًا لهم، ولم تتجه الأنظار نحو الفاتيكان إلا عندما انتقل البابوات ومعهم قيادة الكنيسة إلى الفاتيكان.
تم بناء السور الأول للفاتيكان حماية لضريح القديس بطرس في عهد البابا ليون الرابع (847 -855ن) ثم أعاد البابا بولس الثالث (1534 -1549) بناء السور بالشكل الحالي واعتبر هذا السور الأساس الذي تمّ بناءً عليه ترسيم حدود الفاتيكان بشكلها الحالي عام 1929م، عند توقيع ثلاث معاهدات في قصر لاتران بين الحكومة الإيطالية بقيادة بينيتو موسيليني وممثل البابا بيوس الحادي عشر، الكاردينال بيترو كاسباري.
وللحديث بقية

زر الذهاب إلى الأعلى