مقالات الرأى

أحمد محمد صلاح يكتب: بنية العقل المصري “رفاعة الطهطاوي 3”

كثيرة هي الكتابات عن رفاعة الطهطاوي، وهو يستحق أكثر، فهو الأب الحقيقي لحركة التنوير في مصر الحديثة، على الرغم من بعض العنت الذي واجهه خلال حياته الفكرية، والمعارك التي خاضها، ولكنها كانت معارك ليبرالية ثقافية، نتجت من ذلك التيار الجديد، الذي آتي به وتبناه من أوروبا.
كان الشيخ الطهطاوي يواجه تعنت الأزهر في الجديد الذي يترجمه الطهطاوي ويدفع به إلى عقول الناس، كذلك كان تياره الذي يدعو إلى الحرية لا يتوافق كثيرا مع حاكم مثل محمد علي، لذا نستطيع أن نستعير مصطلح الدكتور رفعت السعيد أننا أمام “ليبرالية شبه مخنوقة” ويستطرد السعيد فيقول “فالشيخ الأزهري يخوض بكلماته وأفكاره عبر أمواج الفكر الأزهري المنغلق آنذاك على النقل والحواشي، والعازف أو العاجز عن التجديد، أو الخروج من إسار القديم، وهو موظف عند حاكم مخيف هو محمد علي باشا، كان محمد علي يقبل التجديد في الصناعة والتجارة، والتعليم، لكنه لم يكن يقبل حرفا واحدا في نقد أو رفض لسياسة القبضة القوية الغاشمة التي أدار بها دولته”
هنا نستطيع أن نقول إن رفاعة الطهطاوي (اضطر) أن يعيش في جو من التناقضات، فبالرغم من أنه جاء مفتونا ومحملا بالليبرالية إلا أنه لم يستطع أن يواجه بها الحاكم الذي كان هو من أرسله الي أوروبا، فاضطر الي أن يصمت، ولكنه علي الجانب الآخر دخل في معارك فكرية مع مشايخ الأزهر، وعضده محمد علي نفسه.
وهو ما يثبته الدكتور يونان لبيب رزق فيقول “تجرنا المسالة الخاصة (بالتناقضات) إلى مسال أخرى، ففي قضية بعينها كان التناقض عن رفاعة أظهر ما يكون، وهي فهمه واستيعابه لروح الديمقراطية الغربية من خلال كتاباته السياسية بالذات في كتابه (تلخيص الإبريز في تلخيص باريزي ) وعلى الأخص الفصول السبعة التي تضمنتها المقالة الخامسة والتي عالجت ثورة 1830 والإطاحة بالبوربون وبداية عهد ملكية بوليه، فبالرغم من هذا الفهم والاستيعاب فهو يقبل الحكم الأوتوقراطي إلى فرضه محمد علي أو (ولي النعم) كما كان يذكره دائما رفاعة”.
غير أن رفاعة الطهطاوي كان مضطرا إلى قبول هذا الوضع أن يطبق الليبرالية في موضع ويتجاهلها في آخر لأنه أصبح موظف حكومي لدي محمد علي (ولي النعم) الذي منحه 700 فدان بحسب د. رفعت السعيد ومنحه العديد من المناصب التي تدر عليه بالضرورة دخلا جيدا، وهو الذي آتي من قريته على متن سفينة بالنيل، بعدما اضطرت والدته أن تبيع مصاغها لتدبر أجره سفره.
هنا نستطيع القول باطمئنان أن الوظيفة الحكومية بالنسبة لمفكر في حجم رفاعة الطهطاوي كانت بمثابة حجر العثرة الذي يعوق انطلاق فكره، ولنتخيل أن هذا الرجل كان موسور الحال قليلا، وسافر إلى أوروبا، ثم تفرغ للترجمة والتفكير، لكانت الأمور بالنسبة للثقافة العربية مختلفة كثيرا على ما هي عليه الآن.
غير أن المفكر في مصر في ذلك الوقت (عثر محمد علي) كان صعبا عليه أن يقوم بدوره بعيدا عن السلطة ولأكثر من سبب منها المركزية الشديدة التي اتسم بها النظام السياسي، كذلك كان انهيار المؤسسات القديمة مع البناءات الجديدة التي يضعها محمد علي، وانتماء المفكر لإحدى المؤسسات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية شيئا بديهيا يمكنه من التعبير عن هذه المؤسسة وتطلعاتها ويكفل له وهو الضروري الحماية المطلوبة لهذا التعبير، من هنا نستطيع أن نقول إن الطهطاوي لم يكن متناقضا، بل بالعكس، كان يبتغي الحماية في ظل النظام السياسي القائم وقتها.
وبالتأكيد للحديث عن رفاعة الطهطاوي بقية

زر الذهاب إلى الأعلى