أحمد صلاح يكتب : بنية العقل المصري وتجديده “رفاعة الطهطاوي”

تظل الحملة الفرنسية هي الصدمة الحضارية والومضة العلمية التي ضربت مصر في أوائل القرن التاسع عشر، ليستقبلها المصريون بين خوف وتوجس ثم انبهار، ثم بعد ذلك إدراك بأن من جاء إنما مجرد غزو، وما فعله نابليون من مخاطبة الشعب باللغة العربية أو حتى إعلان إسلامه ما هو إلا مجرد نوع من دبلوماسية الغزو، فقط لمحاولات تهدئة المصريين، فنابليون قد درس طبيعة المصريين قبل الغزو، وعرف أن الشعب المصري لن يسكت علي دخوله مصر مهما فعل.
وإن كان مولد رفاعة الطهطاوي في عام 1801 في أكتوبر بعد خروج الحملة الفرنسية، ونسب إلى طهطا مقر مولده، من محافظة سوهاج واسمه بالكامل رفاعة بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع، وينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين كما ورد في بعض المراجع.
كان مولده بعد سنوات الحملة الفرنسية التي وجهت إلى العصر العثماني والمملوكي ضربة شديدة أذنت بزواله والتي خلقت في نفس الوقت بصمات سياسية وثقافية عميقة أثرت كل التأثير علي مستقبل مصر.
وامتد العمر برفاعة حتى أوائل العقد الثامن من القرن التاسع عشر حيث توفي عام 1873 فيما يمكن أن نسميها سنوات التغيير المصري التي شهدت من ناحية عملية بناء الدولة الحديثة في جوانبها المادية التي قام بها محمد علي وعملية بنائها في جوانبها الحضارية والتي تمت سواء علي عهد سعيد أو عهد إسماعيل.
وإن كان الحرف الأول في الليبرالية المصرية هو الشيخ رفاعة الطهطاوي (كما يقول الدكتور رفعت السعيد) ولكن ثمة بدايات قبله مثل الشيخ حسين المرصفي الذي أصدر كتابا “الكلم الثمان عن الحق والعدل والحرية”.
وتتلمذ الشيخ رفاعة الطهطاوي علي يد الشيخ حسن العطار، وهو أديب وشاعر ورحالة، خالط ضباط الحملة الفرنسية مما أوغر صدور رجال الأزهر عليه، فهرب إلى ألبانيا بعد أن خرجت الحملة، ثم عاد مرة أخرى بعد أن استقرت الحالة السياسية في عهد محمد علي، وهو من أوعز إليه أن يرسل البعثات إلى أوروبا، وكان من أبرز أقواله “إن بلادنا لا بد من أن تتغير تجوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها”.
كانت السنوات التي عاشها الطهطاوي هي سنوات إعادة البناء للوطن المصري بكل ما صاحب هذه العملية من سرعة إيقاع لحركة التاريخ بعد إبطاء مميت امتد بقرون الحكم العثماني الثلاثة السابقة بالإضافة إلى السنوات الأخيرة من الحكم المملوكي
ويقول الدكتور يونان لبيب رزق في كتابة تاريخ مصر بين الفكر والسياسة “هذا التغيير الواسع الذي عرفته مصر خلال الحقبة كان لا بد من أن يصحبه ويتفرع عنه عديد من القضايا، بعض هذه القضايا ذات طابع سياسي والبعض الآخر ذات طابع اجتماعي، بالإضافة إلى القضايا ذات الطابع الثقافي.
وما بين رفاعة الطهطاوي وحسن العطار وحسين المرصفي والشيخ عياد الطنطاوي، والذي سافر إلى روسيا كمدرس للغة العربية ببطرسبرج ثم عاد بكتاب” تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا “.
ومن هنا كانت دعوة تحرير العقل الأزهري من مجرد الحفظ والتلاوة، وتدعو إلى إعمال العقل لا النقل، وترفض ما كان يتردد نقل، وكان رفاعة أكثر التصاقا بحسن العطار ويقول إنه تعلم منه أهمية دراسة العلوم العصرية التي درت عليه سعة الأفق وحب المعرفة.
ولكن رفاعة اختلف عنهم جميعا وتميز عليهم بأنه كان صاحب مشروع متكامل فلم يكتب كتابا أو اثنين أو حتى عشرة، وإنما بني جيلا من المتعلمين العصريين من أبناء الفلاحين المصريين، وهكذا نهض بمصر
وللحديث بالطبع بقية