د.إيمان إبراهيم تكتب: فيها حاجة حلوة
في خضم الصراعات الاقتصادية التي تواجه الكثير منا على اختلاف مستوياتنا الاقتصادية، سواء داخل البلاد أو خارجها، لاسيما المواطن البسيط، الذى يعانى الأمرين في صمت، ودون قدرةٍ منه على مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار، نظرت حولي بإمعانٍ وحزنٍ شديد ودون قدرة منى على تفسير الأسباب التي أدت بنا إلى ذلك.
ظللت أصول وأجول بداخلي لبعض الوقت، على أمل أن أجد ما يعينني وغيرى على مواجهة ما نعانيه جراء هذا الغلاء الفاحش، لكى نتمكن سويًا من رؤية نصف الكوب المملوء، وأثناء تلك الصولات والجولات البائسة هاتفتني إحدى صديقاتي المقربات، وهى مواطنة مصرية بسيطة ليس لها بعد الله عون، لتقص على مسامعي رواية بسيطة، جعلتني اتبسم للحظات وأشعر بأن تلك الرواية ما هي إلا رسالة من المولى عز وجل ليخبرني بأنه ما زال فيها حاجه حلوة.
حيث حدثتني تلك الصديقة عن زوجها الذى يتردد على إحدى المستشفيات الحكومية للقيام بعملية جراحية لوقف نزيف داخلي في عينيه، حيث تم تحديد موعد لإجراء العملية له، وعند حضوره وجد أن الجهاز المنوط بالعملية به بعض العطل، وعندها تركت السيدة وزوجها المشفى على وعد من الطبيب بالاتصال بها في القريب العاجل، لتحديد موعد آخر لا جراء العملية، مع توجيه بعض التحذيرات للحفاظ على سلامة زوجها.
وأثناء عودتها وقبل أن تصل إلى بيتها دق هاتفها ليخبرها مسئول من وزارة الصحة أنه بإمكانها إجراء عملية زوجها على نفقة الدولة، في إحدى المستشفيات الخاصة التي حددها له دون أن تتكبد نفقات أي شيء، ودون أن تسعى تلك السيدة لذلك قيد أنملة، وعندها اجتاحت الدهشة ملامحي متسائلة أحقًا هذا؟!، السنا بأزمٍة اقتصادية عارمة؟!
ألم يدعى ذوى المآرب المغرضة أن مصر لا تعرف شيء عن معاناة المواطن البسيط؟! وغيرها من التساؤلات التي تدعوا للذهول والزهو في آنٍ واحد، قمة التناقض بين ما يقال وما يحدث، ليتولد بداخلي تساؤل آخر اليس من حق مصر كأم أن يقدر ابنائها ما تقدمه لهم رُغم ثقل ما تعانيه من أعباء؟! أم أننا ننظر إلى ما يكفينا دون النظر إلى قدراتها والامكانيات التي تمتلكها؟!.
ألم نُعلم ابنائنا أن العطاء يكون من نسبة ما نملك وليس من نسبة ما يحتاجون اليه؟! فكلٌ حسب سعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ألم يشعر بعضنا بغصةٍ عندما يقدم لابنائه شيئا بسيطا ويواجه بالنكران وعدم العرفان ولو بكلمة شكرٍ بسيطة، لأن ما قدمه لا يتناسب مع احتياجات ابنائه الفعلية ولكن يمثل جميع ما يملكه.
فنحن الآباء والأمهات نريد أن يكون ابنائنا قمة الولاء لنا، ونسعى إلى تحقيق ذلك بشتى الطرق، ولا نعى أن ابنائنا ينظرون الينا ونحن ندين أوطاننا على اشياء تخرج عن المقدرة ولو بشكل مؤقت، نربى ابنائنا على تبنى فقه ترتيب الأولويات في تلبية الاحتياجات، ولا نؤمن به في التعامل مع وطننا قمة العبث والتناقض.
كفانا هراء يا سادة ولنتكاتف مع بعضنا البعض كلٌ وفق استطاعته، لعلنا نؤجر ويجعل الله بعد العسر يسرا، ويفتح بصيرتنا لرؤية الأشياء الإيجابية التي تعيننا جميعًا على تخطى الصعاب، لنجدد بداخلنا الطاقة الإيجابية ونقدر قيمة وطننا مصر.
مصر يا سادة أم المصريين ومهبط اللاجئين وعندها سنوقن إن فيها حاجة حلوة حفظك الله يا مصر وشعبك من كل مكروه وسوء.