مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : دبلوماسية الأطفال تدير العلاقات الصينية – الأمريكية

0:00

يبدو أن العلاقات الأمريكية – الصينية التي ساءت مؤخرا بحادث اكتشاف المنطاد الصيني في الولايات المتحدة، لن تهدأ في القريب العاجل، حتى لو تركنا إلغاء أو تأجيل زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية لبكين. العاصمة الصينية اعتبرت تأجيل الزيارة بمثابة ضربة أمريكية وأن واشنطن استغلت واقعة المنطاد لتضرب العلاقات بين البلدين في وقت كانت تتوقع فيه بكين تحسن العلاقة التي انهارت فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حتى إن العلاقات لم تسلم أيضا فترة جو بايدن الذي قاد حملة دولية لتقليص قدرات الصين التكنولوجية عبر ارغام بعض الدول ومنها الهند وكوريا الجنوبية على عدم مد الصناعات الصينية بأشباه الموصلات أو ما يسمي بـ”الرقائق”، وهي من المكونات الرئيسية للصناعة الصينية.

الصين من جانبها وردا على مسألة المنطاد التي أصابها بحرج دبلوماسي لا خلاف عليه، أبت أن تجلس ساكنة، فما كان منها سوى أن وجهت اتهامات الي واشنطن باختراق المجال الجوي الصيني خلال عام 2022، ليس مرة واحدة أو إثنتين، بل عشر مرات .

من الطبيعي أن تتجه الصين الى تعميق للخلاف بين القوتين منذ أسقطت واشنطن المنطاد الصيني الذي قالت عنه أمريكا إنه مختص بأغراض التجسس. ولكن يبدو أن بكين ورغم هذا الإعلان، فهي لم تكشف عنه عن طريق المصادر العسكرية حتى لا تسوء العلاقات كثيرا، ووجهت وزارة الخارجية بإعلانه، وقال وانج وينبين الناطق باسم الخارجية الصينية :”ليس غريبا على الولايات المتحدة دخول أجواء البلدان الأخرى بشكل غير قانوني”، مضيفا أن المناطيد الأمريكية تحلق منذ العام الماضى بشكل غير قانوني فوق الصين أكثر من عشر مرات دون موافقة السلطات الصينية.

ولدى سؤاله عن كيفية رد الصين على عمليات التوغل المفترضة هذه، قال وانج إن بكين تعاملت مع هذه الحوادث بشكل “مسئول ومهني، وإن كنتم تريدون معرفة المزيد عن المناطيد الأمريكية التي تحلق على علو مرتفع وتدخل بشكل غير شرعي المجال الجوي الصيني، فأقترح عليكم توجيه السؤال إلى الجانب الأمريكي”.

بريطانيا أقرب حليف أوروبي وعالمي إلى الولايات المتحدة، دخلت على الخط هي الأخرى، ليعلن وزير النقل ريتشارد هولدن إنه “من الممكن” أن تكون الصين أرسلت مناطيد تجسس عبر المجال الجوي البريطاني، وأنه من المرجح أن يكون هناك أشخاصا من الحكومة الصينية يحاولون التصرف كدولة معادية”.

المؤكد أن الولايات المتحدة استغلت المنطاد لتعلن على الفور إضافة 6 كيانات صينية على صلة ببرنامج المنطاد إلى قائمة تصدير سوداء، بحيث تزيد من صعوبة حصول الشركات الصينية على منتجات تكنولوجية أمريكية.

وللتذكير، فإن الصين سبق وأعربت عن أسفها على اختراق منطادها الأجواء الأمريكية في محاولة منها لتخفيف الأجواء ورغبتها في عدم تعكيرها، هذا رغم أن مسألة الاختراق السيبراني قد أصبح عادة شبه يومية بين الدول، ويكفي الإشارة الي إعلان حلف الأطلنطي قبل أيام أن قراصنة مؤيدين لروسيا كانوا وراء الهجوم الإلكتروني لمواقع الحلف الإلكترونية وموقع عملياته. مسئول بالحلف أعلن أن “الناتو” يتعامل مع الحوادث الإلكترونية بشكل منتظم ويأخذ الأمن السيبراني على محمل الجد.

معلوم أن القرصنة الإلكترونية لم تعد اكتشافا جديدا، فهي واقع يومي تتعامل معه الدول المتقدمة بصورة شبه يومية، وهو ما أعلنته برلين أيضا قبل أيام باستهداف موقع البرلمان الألماني “البوندستاج” ومقار آخرى للشرطة ومرافق بنية تحتية لهجوم إلكتروني. وبغض النظر عن مصدر هذا التهديد، فإن رئيس الاستخبارات الألمانية حذر من أنشطة التجسس الصينية داخل بلاده، ليس هذا فحسب، فكما ذكر المسئول الألماني ، أن مصدر خطورة التجسس الصيني في الوقت الراهن هو أن عمليات التجسس تطورت وأصبحت تتوجه إلى السياسيين وليس الاقتصاد فقط كما كان الوضع في السابق، حيث كانت عمليات التجسس الصينية تستهدف القطاع الاقتصادي.
من المبكر رغم هذه الأجواء الملبدة بين بكين وواشنطن، تحديد خط السياسة الذي ستسير عليه الدولتان، ولكن من المؤكد أن الفعل الصيني (المنطاد) ورد الفعل الأمريكي ( إلغاء زيارة بلينكن لبكين) وما تبع الفعل ورد الفعل بإعلان الصين اكتشاف عشر منطادات أمريكية على مدى عام 2022، يذكرنا بأفعال الصبية عندما يتشاجرون، فثمة طرف يوجه اتهاما للآخر بواقعة حقيقية، ثم يقوم الآخر برد فعل وتوجيه اتهام للطرف الأول بنفس نوع التهمة. فأمريكا اتهمت الصين بالتجسس عليها عبر المنطاد، ولم تسكت الصين فكشفت هي الأخرى إنها تعرضت لعشر محاولات تجسس من قبل أجسام أمريكية.
والتساؤل: أين كانت الصين طوال العام المنصرم عندما اكتشفت حالات الاختراق الأمريكي لأجوائها؟..ولماذا لم تكشف عن كل حالة تجسس في حينها حتى تحرج واشنطن؟.
الدبلوماسية مع علت تدار أحيانا بعقول أطفال، والمثل العربي يقول “لا تعايرني ولا أعايرك..فالهم طايلني وطايلك”.
انتهى الحديث

زر الذهاب إلى الأعلى