راندا الهادي تكتب: البيضة وصبي البقال!!
أتذكرون قصة البيضة الذهبية، والتي بسببها ضاعت الفرخة، وأمست في عداد الأموات؟! هذه القصة المحفوظة عن ظهر قلب من طفولتنا كدليل على النهاية الحتمية للطمع، كانت أول معرفة بيني وبين البيضة! ويومَ ألقى أحدُ الصبية على فستان العيد خاصتي بيضةً لعصفورة _ كنوع من الهزار الماسخ _ توطدت معرفتي بالبيضة، حيث تلاقينا في الحلوة والمرة ودامت العشرة.
وعندما سافرتُ للإمارات مع عائلتي الصغيرة، صدمني طعمُ البيض هناك؛ لأقسم أن ما أكلتُه طوال عمري في مصر لم يكن بيضا، ولكنه ليس السبب من قريب ولا من بعيد لكتابة هذا المقال.
إذن لماذا أكتب لكم عن البيض اليوم؟!
السبب ما رأيتُه البارحة أمامي أثناء وجودي عند البقال القريب من البيت، حيث طالت وقفتي عنده لإحضاره طلبًا لي، فإذا برجلَين يسألان عن سعر كرتونة البيض، فأجابهما البقال: بـ …. جنيها، لينظر أحدهما لصديقه ويقول: ألم أقل لك؟! ويرحلا بلا رجعة!! المشهد الثاني لزوج وزوجته قطعا شوطًا لا بأس به من رحلة الزواج، يسألان عن سعر البيض ويجيب البقال كالعادة، فينظر الزوجان لبعضهما في صمتٍ بليغ تقول فيه الزوجة: أترى .. ماذا سنفعل الآن؟! ويطأطِئ الزوج رأسه في حيرة من أمره، لتُظهِرَ الزوجةُ الملول ضِيقَها بسؤالٍ حاسم: (هنجيب ولا نمشي)؟! بما يشير إلى رحلة ليست بالقصيرة قطعها الثنائي لاستطلاع أسعار البيض عند بقّالي الحي!
أما المشهد التالي والذي شاركتُ فيه شخصيا، فقد بدأ عندما كنتُ أقف بجوار كراتين البيض وإحدى أمهاتنا الطيبات تُعبّئ كيسا بلاستيكيا بالبيض، وإذا بأحد الفِتية العاملين بالمحل يمر بعددٍ من عبوات السلع التي تحجب عن عينيه رؤيةَ الطريق فيصطدم بإحدى كراتين البيض، لأصرخ أنا والسيدة الستينية في وقت واحد: (حاسب البيض)!! وكأنه كسر (أنتيكة) أو تمثالًا أثريًّا نادرَ الوجود قد لا نراه مرةً أخرى!! والمقاربة جليةٌ هنا أيها القارئ، عندما تتغير أسعار البيض صاعدةً فقط يوما عن يوم، ونبدأ بالنظر إليه كسلعة ترفيهية، وتتزايد الأسئلة على صفحات الطبخ بوسائل التواصل الاجتماعي عن بدائلَ للبيض في الأكلات المختلفة، هنا يحق لنا الصراخ في (صبي البقال) بل وتعنيفه؛ فالبيض الذي كسره كالذهب، عزيزٌ على بيوت المصريين!!
ما الذي أوصلنا لتلك الحال؟!! قال رئيسُ اتحاد منتجي الدواجن (محمود العناني): إن أسعار البيض ارتفعت نتيجة عدة عوامل، أهمها زيادة تكلفة الإنتاج عقب ارتفاع سعر الأعلاف عالميًّا، سواء الذرة أو الصويا، فقد تضاعف سعر الذرة من 3000 دولار قبل جائحة كوفيد 19 إلى ما يزيد على 8800 دولار بنسبة 250%، والأمر نفسه بالنسبة للصويا، التي تُستخدم في إنتاج الديزل الحيوي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن ارتباك سلاسل الإمداد العالمية، وتضاعف أسعار الشحن كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. وأضاف العناني أن تكلفة إنتاج كرتونة البيض تتراوح بين 2,5 — 3 دولارات ، فيما تُباع للمستهلكين بسعر مدعم في منافذ وزارة الزراعة، وبأسعار متفاوتة في متاجر التجزئة الكبرى والمحلات، ولكنه توقع انخفاض أسعار البيض بقيمة جنيهين – نعم جنيهين فقط – خلال الفترة المقبلة وذلك حال استقرت أسعار الأعلاف!!
وحتى هذا الحين، نتمنى من كل مصري وكل مصرية اعتبارَ البيض ثروةً قومية يجب الحفاظ عليها، ومناهضةُ أي دعاوى تنادي بعمل (الكيك أو البانكيك) أو التهور من حديثي العهد بالزواج وعمل فول بالبيض أو عجة!! يجب علينا جميعا أن نكون على مستوى الكرتونة، عفوا … المسئولية!! ونحافظ على كل بيضة كابنٍ من أبنائنا؛ فالبيضة التي تُكسر لن تعود أبدًا!!