راندا الهادي تكتب: طالب (إم چي) في المطعم!!

تمهيدٌ لا بد منه لمن لم يقرأ مقالي الأسبوع الماضي عن تجربتي مع المدينة الجامعية، حيث ذكرتُ كم كانت هذه التجربةُ في حياتي مميزةً ومؤثرةً، لما لها من خصوصيةٍ وثراء، من هنا ودِدتُ مشاركتَكم بعضَ جوانبها.
في المدينة الجامعية، من حُسن حظك أن تكون الوجباتُ متوافقةً مع مواعيد بَدء وانتهاء محاضراتِك بالجامعة؛ حتى تنعمَ بوجبةٍ دافئةٍ خاصةً بالشتاء، وإلا ستُضطر لشراء ما يَسُد رمقك حال خروج وقتِ الوجبة عن مواعيدِها المُحددة وإغلاق المطعم، ما سيَضُر بميزانية مصروفِك طَوال الشهر.
وفي حالِ وصولِك بالموعد، هنا يجبُ أن تُسقطَ مِن حساباتِك عدةَ أمور، أولها (المقارنة والتفضيل)، أبدًا لا تقارن بين طعام البيت وما ستأكله؛ لأنه ببساطة لا وجه للمقارنة، لذا اِنسَ تفضيلاتِك لأكلاتٍ بعينِها أو لأجزاءٍ معينة من الدجاج، وامحُ كذلك من ذاكرتك أيَّ معلومات عن طُرق الطهي المختلفة؛ فمطعم المدينة يطهو بطريقةٍ واحدة لا تتغير، ألا وهي السلق ثم التحمير للحوم، أما الشوربة فتختفي ولا تظهر إلا مع هلال رمضان!
ولعل من المواقف الطريفة التي لا أنساها أبدًا، وحدثتْ لي في مطعم المدينة، عندما قررتِ الإدارة إضافةَ صنف جديد لقائمة الطعام، وقتها ذهبتُ أنا وإحدى صديقاتي بالـ (سرفيس)، وأقصد طبعًا (سرفيس) الطعام وليس الميكروباص (وهذا جزء من عُهدتك بالمدينة يجب أن تحافظ عليه كعينيك)، وإذ بنا أمام مُكعبات بيضاء من اللحم تسبحُ في (صوص) برتقالي اللون! وبعدما جلسنا، نظرنا لبعضنا في توجس وتساءلنا ما هذا؟! قلتُ لزميلتي: لا أعرف، لكن أعتقد أن نوعَ اللحم الوحيد الذي لم أره بحياتي هو لحمُ الخِنزير ويستحيل تقديمُه لنا فهو حرام!! ومع نفورنا، اكتفينا بتناول الأرز والخضار على مضض، لنكتشفَ فيما بعد أنه كان لحمَ طيور الرومي! وهنا كانت نهاية علاقتي مع لحم الرومي حتى وقتنا هذا!!
وللمزيد من إيضاح المشهد، سأطلعكم على آليات طالب (إم چي) السِّرية في المطعم لضمان الحد الأدنى من إشباع رغباته!! لنبدأ بآلية المساومات: لديَّ ما تُريده ولديك ما أريده، إذن فلنعقد اتفاقًا، وهنا السرعة مطلوبة حتى لا تذهب الصفقة لغيرك! مكان وزمان الصفقة يكون في طابور انتظار الوجبات بالمطعم، ولأن اختيار ما تريده من طعام غيرُ متاح في عالَم (إم چي)، كان مُحبو (صدر الدجاجة) يتفقون مع من يُفضلون (وِرك الدجاجة)، لإتمام عملية التبادل بعد الحصول على الطعام، أو يتم اللجوء لآلية أكثر حِرفية وهي أن تُحددَ مكانك وفقا لما تفضل من أجزاء الدجاجة، لأن التوزيع يتم بالتبادل، لكنْ للأسف قد تضيعُ حساباتُك أدراجَ الرياح حال تغيير صينية الدجاج بأخرى جديدة؛ إذ تكون بدايةُ التوزيع عشوائية، لذا كنا نُفضل آليةَ المساومة!
وإحقاقا للنظام المُتبع بالمدينة الجامعية، لم تكن أيامُنا كلها دجاجًا، كان هناك يوم أسماك بمنتصف الأسبوع، ويوم للّحمة وهو الخميس من كل أسبوع، وهو اليوم المفضل لديَّ، ليس بسبب اللحمة _ لأني أفضل الدجاجَ عليها _ ولكن بسبب معشوقتي الفاصوليا البيضاء التي كانت الرفيقَ الدائم للّحمة على قائمة الطعام لهذا اليوم.
كذلك كان بكل طابق في أي مبنى من مباني المدينة الجامعية مطبخ بسيط مجهز بجهازين أو ثلاثة من البوتجازات الكهربائية، حيث كنا نستخدمه لإعادة طهي أو لِنَقُل إعادة تدوير الوجبات المدينية، خاصة وجبات الإفطار والعَشاء بتسخينها وإضافة البهارات لها (وكل واحدة وشطارتها)، فضلا عن إعداد وجبات سريعة كشوربة لسان العصفور أو المكرونة أو إعداد (سندويتشات) الجُبن الرومي المُذابة بالعيش البلدي لسد جوع نصف الليل، ولا أنسى المشروبات الدافئة! ولتجنب برودة الطقس هذه الأيام، سأقوم بإعداد (مج) من الكاكاو الساخن مع وعد برحلةٍ ثالثة داخل أروقة المدينة الجامعية بصحبة طالب (إم چي).