مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: عم/ السيد زايد

عقِبَ التحاقي بالعمل مذيعًا بإذاعة الأخبار عام 2003م (التي تحولتْ فيما بعد إلى راديو مصر عام 2009م)، كان من بين البرامج التي قدمتُها برنامج (كلمات لها تاريخ)، وتعودُ فِكرتُه إلى المُخرج والكاتب المبدع الصديق العزيز (هشام مُحب)، تعتمد الفكرة على إذاعةِ جُزءٍ من خِطابٍ قديم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أو للرئيس السادات، أو أيٍّ من الخطابات والبياناتِ الشهيرة، ثم النزول إلى الناس الذين عاصروا هذه الحِقبة لسؤالهم حوله: هل يتذكرونه؟ هل سمعوه وقتها؟ وأين كانوا؟ وماذا عن ذكرياتهم حوله، وتأثيرِه عليهم في ذلك الوقت؟ يأتي هذا بعَفوية الشخص العادي بعيدًا عن المحلل السياسي أو الكاتب الصحفي، ولعل من الحلقات التي لا أنساها، تلك الحلقة التي ذهبتُ فيها إلى قريتي (سنباط _ زفتى _ غربية)، والتقيتُ (عم/ السيد زايد) _ رحمه الله _، كان رجلا قصيرَ القامة ذا عينين مُلونتين، تعدَّى السبعين من عُمره، يرتدي جلبابًا بلديًّا، و(طاقية فلاحي)، أقعدَه المرض، لكنَّ ملامحَ وجهِه تدُلُّ على مدَى الشقاءِ والشقاوة في شبابه، هو شخصٌ صريحٌ في ردودِه، وإنْ كانت تَمَسُّه أو تُسِيءُ إليه، لا يُبالي ولا يَتجمل ولا يُجَمِّلُ الصورة؛ إذ ليس لديه حساباتٌ يَحسِبها، ولا يُريد شيئًا من أحد!! لو قُدِّر له أن يكون شاعرًا لكان (أحمد فؤاد نجم)!!!
كان حديثي مع (عم/ السيد زايد) حول بيان (السادات) الذي أعلن فيه وفاة (جمال عبد الناصر): “فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلًا من أغلى الرجال، وأشجع الرجال وأخلص الرجال وهو الرئيس جمال عبد الناصر الذى جاد بأنفاسه الأخيرة فى الساعة السادسة والربع من مساء يوم 27 رجب 1390 الموافق 28 سبتمبر 1970″
فبادرني (عم/ السيد) بقوله: (عبد الناصر ده، كان آخِر حِزن في حياتي، أنا ماحزِنتش على حَدّ بعد عبد الناصر، أنا قعدتْ ٣ أيام الزاد مايدخُلِّيش جُوف لما عبد الناصر مات، لولا عبد الناصر ماكنش زماني لابس الجَلَبِيَّة اللي أنت شايفها عليَّ دي!! هو سِيدك (يقصد جَدِّي، وكان إمامًا وخطيبًا، وتاجر مانيفاتورة) ماقالكش إحنا كنا بنلبس إيه؟!!
قلتُ: (لكن يا (عم/ السيد)، كتير بيقولوا إنه هو السبب في النكسة)!!
فجاء رده: (وهو الراجل مابينكسرش؟! والراجل اللي ينكسر ده، نِسِيبُه ولا نقف في ضهره)؟!

تركتُ (عم/ السيد زايد) بعد انتهاء الحوار، ونفسي تحدثني حول تقديس المسؤول، والبحث له عن مبررات، وفي نفس الوقت يترددُ في ذهني ما كنتُ قرأتُه في (العِقد الفريد): (ومِن شأنِ الرَّعِيَّة قِلةُ الرِّضا عنِ الأئمة)، لكنَّ السؤالَ الذي ظلَّ يُلازمني حتى اللحظة: لِمَن مِن الحُكَّام تغفرُ الشعوب؟! ولِمَن تَمنحُ رِضَاها؟!

زر الذهاب إلى الأعلى