قرأت لك

قراءة متأنية فى كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حُزين (6)

بقلم : الدكتور حامد عبد الرحيم عيد

تحدثت فى المقالات السابقة عن الخمسة فصول الاولى من كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حُزين وجاءت بالترتيب حول “جذور الثقافة فى مصر العربية”، “ثقافة مصر فى مسيرتها مع الحضارة والتاريخ”، و”ثقافة مصر العربية المعاصرة والمؤثرات الداخلية والخارجية بها”، وجاء الفصل الرابع بعنوان مهم حول “المتغيرات المعاصرة فى الغرب والشرق وفى العالم العربى” وكيف كان صداها المرتقب فى الفكر والثقافة، ثم الفصل الخامس وعنوانه “تتابع أجيال الثورة فى مصر العربية المعاصرة” عن بحث مقارن فى دراسة الشخصية الثقافية وتاريخ الحضارتين القديمة والحديثة فى بلدين عريقين هما: مصر والصين، وتم فيه توضيح الفرق بين الشخصية الحضارية لكل من مصر والصين. وفى هذا المقال نتحدث عن بقية الفصل الخامس والذى يقدم تتابعا لاجيال الثورة فى مصر الحديثة حيث اقتصر حديث سليمان حزين على القرنين الاخرين فقط والذى بدأ فى اواخر القرن الثامن عشر عندما جاء نابليون بونابرت بحملته العسكرية الى مصر غازيا سعيا لقطع الطريق الى الهند على بريطانيا، لكنها فشلت وكانت ان دقت ناقوس الثورة وظهر الازهر كمركز للمقاومة فى اول ثورة فى مصر الحديثة والتف الشعب حول شيوخ الازهر والتقى الفكر الدينى بالمشاعر الوطنية، وظهر من اجياله رجال قادوا الفكر وحركة البناء الفكرى والتعليمى منهم رفاعة رافع الطهطاوى وبدأت حركة التحديث الاولى على يد على مبارك، والذين كان ان مهدوا للثورة الثانية وهى ثورة عرابى فى اوائل الثمانينيات من القرن 19 وكانت ثورة شعبية فقد كان عرابى من اصل ريفى والكثير من اتباعه ومنهم محمد عبده وقاسم امين ومصطفى كامل وسعد زغلول والذين كانوا هم زعماء ثورة 1919 والتى جاءت من أصلاب ثورتى الازهر فى 1798 وعرابى 1882، فكانت بمثابة بداية مبكرة لروح ثورة جديدة وهى ثورة 1952 والتى جاءت كأمرا طبيعيا لظاهرة التسارع الزمنى بين الثورات المصرية فكانت من اقل الفواصل زمنيا بين دورات الثورات، وجاءت متأثرة كثورة ذات طابع عسكرى سريعة فى خطواتها، إلا ان قادتها تنبهوا وأدركوا أن عليهم لكى تكون ثورتهم فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية متكاملة أن يدرجوا معهم جماعات من المفكرين والعلميين والتكنولوجيين لهم خبرات بحياة الناس واحتياجاتهم. لقد واجهت الثورة منذ يومها الاول ما يشغلها بخطر اجنبى فأتجهت الى ما يمكن ان يحفظ كيانها الوطنى ثم كيانها العربى والافريقى، فانشغلت مصر بمصير اشقائها من الدول العربية وامتد الاهتمام الى القارة الافريقية حيث نشرت نورها فى انحاءها بنداء الحرية والتحرر من الاستعمار وتزعمت جهادها. لم تكن ثورة 1952 مثل شقيقاتها ثورتى عرابى وثورة 1919 حيث استمالتها الى أن تكون عالمية التأثير فانصرفت مصر خلالها الى ميدان الكفاح الدولى الذى بدد بعض من طاقتنا الثورية وشغلنا بأمور غيرنا مما أثر على تراكم مشكلاتنا الداخلية من تعليم وصحة وزيادة فى عدد السكان. كما ترددت سياستنا بين اتجاهين الغرب ورأسماليته والشرق وشيوعيته واهتزت هويتنا فى عهد لا مجال ولا امان فيه وكان على اهل التجربة والثقافة ان يعودوا لكى يمسكون دفة التاريخ.
يختم د.سليمان حزين الفصل الخامس بقوله أن للثورات دورات رسمها التاريخ ذاته وتحدد آوان كل منها، قالتاريخ يعيد نفسه لاسباب وحكم يدركها رجال التاريخ وعلماء الفكر التاريخى للامم والشعوب. إن تاريخ مصر الذى أكتنفته ظروف تاريخية معروفة فى القرن 19 قد تحدد بظهور جيل من القادة والمفكرين الذين استطاعوا ان يغيروا من دفة التاريخ، وفى العقدين الاول والثانى من القرن 20 جاء جيل العمالقة الذين مهدوا لثورة 1919 الشعبية، وقادوها ومضوا بها الى غاياتها، وهنا علينا أن نتذكر أن كل قرن من قرون التاريخ عادة ما يبدأ بجيل يثور على القرن السابق له مباشرة من اجل تجديد مسيرة الحياة مع مقدم القرن الجديد. إن مصر الولادة وشعبها الولود جديران أن ينشئا جيلا من العمالقة كالجيل الذى وضع قواعد الحياة المصرية الحديثة فى العقدين الاولين من القرن 20 ويكون ذلك ايذانا بالدورة القادمة.
————
أستاذ بعلوم القاهرة
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى