مرسال المراسيل

قصة “النخّاس”

يكتبها : عبد اللطيف نصار

هل يمكن أن يبيع إنسان ابنته بعدما كبرت وأصبحت عروساً؟ وماذا يمكن أن نسمى من يستطيع أن يتخلى عن فلذة كبده مقابل حفنة من المال؟ لقد قرأت وأنا صغيرة عن سوق النخاسة التي انتهت منذ آلاف السنين حيث كان التجار يصطحبون الفتيات من الأسرى والجواري لبيعهن في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر..
وكنت لا أصدق ما أقرأ وأشاهد في أفلام تاريخية قديمة..
ولكنني بعد أن كبرت وأدركت معنى الحياة رأيت بعينى أن ماكان يحدث في سوق النخاسة يحدث الآن..
ومشكلتي تبدأ منذ كان عمري 12سنة، وكنت كبرى إخوتي وأخواتي، وكان والدي يعمل بحرفة تدر عليه دخلا لا بأس به أيضاً،ولكنه فعل مثل بقية أهل قريتنا الذين يبيعون بناتهم في سوق النخاسة ،حيث يكون المشترون من الأشقاء في الدول المجاورة”حلوة كلمة أشقاء”.
كنت طفلة جملية جداً، يعاكسني كل من يراني ،ولم أكن اهتم بشيء من ذلك ،لأنني كنت مجتهدة في المدرسة ، ولا سيما وأنا الكبيرة بين إخوتي وأبناء عمومتي.
وذات مساء أسود زارنا رجل عجوز ربما كان أكبر من أبي،وبعد قليل دخل أبي حجرتي وأنا أذاكر، وأمسكني من يدي واصطحبني لا أدري إلى أين؟
وفجأة وجدت نفسي وجها لوجه مع هذا العجوز، وساد الصمت في المكان،ثم قطعه صوت أبي قائلاً عريسك يا حبيبتي،مبروك ياحاج!!
وخرجت من الغرفة مسرعة إلى حضن أمي وأنا أصرخ :
لا أريد الزواج، فقالت لي أمي:” ياخايبة ستكون الفلوس في يديك وتحت قدميك وسوف تعيشين في الجنة”، وجاء أبي وهددني بمنعي من الذهاب إلي المدرسة إذا لم أوافق على الزواج، فرفضت الزواج فقال “نحن كتبنا الورق عند المحامي وأنت زوجته الآن،وأنا استلمت المهر”.
ولم أنم ليلتي،وجاء الصباح كئيبا كوجه الرجل الذي أصبح زوجي..
وبدأت الاستعداد للزفاف في نفس اليوم، كان أبي وأمي طائرين من الفرحة، ولماذا لا يفرحان وقد قبضا الثمن،أما أنا فكنت أشعر أنني أستعد لجنازتي.
وفي المساء كنت مع هذا العجوز في فندق كبير، لا أتذكر أسمه،
وكانت ليلة سوداء لن أنساها طوال حياتي.
واستمرت هذه الليلة السوداء لمدة سبع سنوات كاملة،كان يتركني عشرة شهور في بيت أبي،ويعود في الصيف، ليقضى معى شهرين نعيشهما في إحدى الشقق المفروشة،
وكنت أعيش هذين الشهرين وأنا أعاني من الاغتصاب والكراهية، وعندما ضاق العجوز بي، تزوج من فتاة أخرى،باعها والدها له ،كما باعني والدي من قبل،وحصلت على الطلاق بسهولة..
وخرجت من الزواج بخفي حنين،وبلا تعليم وبلا مستقبل أيضاً،
وضاقت في وجهي الأرض بما رحبت، وتمردت على كل شيء، أبي وأمي ونفسي،
ولكني لم أنجرف في تيار الانحراف،حافظت على نفسي، وكنت أسعى جاهدة لاستكمال تعليمي والبحث عن مهنة أحصل منها على مال حلال..
ووفقني الله سبحان وتعالى خلال عامين وتعلمت مهنة محترمة تدر على دخلا جيدا، وبدأت أنفق على نفسي وإخوتي،لأنني لم أسأل أبي عن المهر أو الثمن الذي قبضه ثمنا لي عندما باعني إلى الرجل العجوز،ولكن أبي لم يتركني في حالي،كان يطاردني في مقر عملي، ويراقبني ويأخذ مامعى من مال للضغط علىّ، ليزوجني مرة ثانية وبنفس الطريقة، فرفضت،فواصل ضغوطه.
كان يضغط وأنا أرفض، ولم أستسلم لرغبته لمدة 4 سنوات كاملة.
وفي إحدى الليالي وأنا عائدة من عملي وجدت “ضجيجاً” في منزلنا وسألت ماذا يحدث؟ قالت أمي أختك ستتزوج،قلت: أختي عمرها 11 سنة، وستتزوج من؟
عريس من الأشقاء إياهم،ولم أترك الفرصة تفوتني ودخلت إلى مجلس الرجال وصرخت فيهم،ولم يرد أحد،فخرجت وأنا ألعن الجميع،وخرج ورائى أبي ليشتمني ويخبرني أن العريس جاء كالعادة بواسطة السمسار والمحامي،وأنني كنت المقصودة بالزواج،ولأن أبي خاف كالعادة من رفضي،باع أختي وقبض الثمن..
وحاولت جاهدة إفشال ماحدث ولكن هيهات، وأنا أحارب وحدى،فأمي موافقة وأشقائي الذكور”الرجال” موافقون،والبنت موافقة،
إذن فلأذهب أنا إلي الجحيم..
وتركت عملي لمدة يومين لأحول دون إتمام الزواج ،ولكن هيهات فكل شيء جاهز..
وذهبت أختي مع عريسها إلى أحد الفنادق ليتم ذبحها مرة ثانية بعدما ذبحها أبي عندما باعها..
والآن لا أدري ماذا أفعل؟
فأبي يضغط علىّ لأتزوج بهذه الطريقة،
وأنا أرفض،كما أن من يتقدمون للزواج مني يعتقدون أن معي كنزاً،ولم لا،ألم أكن متزوجة من ثرى عجوز؟!

الحائرة:
ليلى.إ.الجيزة
————————-
* * كثير من الآباء لا يستحقون من الأبوة شيئا، بل إن الآخرين قد يكونون أكثر عطفا وحنانا منهم-وإذا كان ما فعله أبوك باطل قانونا وخلقاوشرعا،لأنك لم تبلغي السن القانونية للزواج الذي كان ضد رغبتك، والزواج بالإكراه باطل شرعاً، والحديث الشريف يقول”البكر تستأذن..وإذنها صماتها” يعني ُتسأل عن موافقتها على العريس فإن سكتت فهي موافقة وإن تكلمت بالرفض، فهو زواج باطل لأنه بالإكراه،ولن تجدي في مصر كلها مأذونا واحدا يقبل أن يعقد قرانا لفتاة لا يتناسب عمرها مع السن التي حددها القانون،ولذلك تم زواجك على يد محام، وكذلك زواج أختك،وفي هذه الحالة كان من الممكن أن يقضي والدك سنوات من عمره خلف القضبان مسجونا،لأنه يخالف القانون ،وكذلك المحامي الذي ساعده على فعلته غير القانونية ،وغير الإنسانية.
ومن الناحية الطبية، فإن زواج الفتاة في سن مبكرة قد يمنعها من الإنجاب لعدم اكتمال نمو أعضائها التناسلية الداخلية، كما أن الزواج في هذه السن ،قد يؤدي إلى حمل غير مكتمل، أو ولادة جنين مشوه..
وأحياناً تفقد الأم عمرها أثناء الولادة..
أما والدك فسوف يسأله الله سبحانه وتعالى عن هذه الصفقات التي يعقدها ثمنا لبناته،لأنه من المفروض أن يكون أمينا على ما استودعه الله إياه من نعمة إنجاب البنت،وكان يجب عليه أن يحافظ عليك وأختك،ويختار لكما زوجين مناسبين لإقامة أسرة سوية تعيش على الخير والشر،مثل ملايين الأسر،ولكن ما فعله والدك ليس له إلا مسمى واحد،وهو زواج لبعض الوقت مقابل حفنة من المال،فالزواج ياعزيزتي سكن ومودة ورحمة،والسكن في مثل هذا الزواج شقة مفروشة لمدة أيام، والمودة مفقودة لأن الزوج يحضر إلى زوجته شهرا أو أقل أو أكثر ليقضى منها وطرا كجزء من الترفيه خلال أجازته السنوية ،ثم يعود إلى زوجته في بلده وربما زوجاته أيضاً..
أما الرحمة فغير موجودة أيضاً ،لأن مثل هذا الزوج القادم من بعيد لن يتورع عن الطلاق مقابل بضعة آلاف يرميها في وجه الأب وابنته،ليتزوج من بكر صغيرة يمتص رحيقها ،ثم يرميها في أقرب سلة مهملات عندما لا يجد لديها مايثير شهيته الحيوانية إذا كان لديه أصلا مقدرة علي أداء وظيفته العضوية.
والطريف في الأمر أن ما يدفعه مثل هؤلاء للزواج من عشر فتيات في دولة فقيرة لا يعادل مهر فتاة واحدة يتزوجها في بلاده، وكأن الله سبحانه أعطاه المال ليثير في الأرض فسادا ،ويزيد من نسبة المطلقات التي لا تستطيع الواحدة منهن الإنفاق على نفسها،أو طفلها.
فأين إذن السكن والمودة والرحمة؟!
وهل من فعل ذلك من هؤلاء الأشقاء يرضى بذلك لأخته أو ابنته؟ إذا كان لايرضى فكيف يرضي لبنات الناس مالا يرضاه لأهله..؟
وإن كان يرضى أن يحدث ذلك لأخته أو ابنته فهو مشكوك في رجولته. لأن الرجل الحقيقي لا يقبل أن تكون ابنته أو أخته متاعاً لأحد مقابل بضعة آلاف من العملات،ثم تعيش بقيه عمرها وهي تمضغ مصيبتها وحدها، بينما يبحث الأب والأم والإخوة الذكور عن رجل بلغ من الكبر عتيا وأشعل الشيب رأسه، جاء بصحبة سمسار النخاسة، فيبيعون ابنتهم مرة واثنتين وثلاثا ،لأنهم منذ البداية فقدوا الإحساس بالرجولة والشهامة والخوف على العرض،
وهذا معناه أننا تخلصنا من أسواق النخاسة من حيث المكان ،بمعنى لم يعد لدينا أي مكان لبيع الجواري والبنات،ولكن ظل لدينا مفهوم النخاسة بداخلنا،وإن اختلفت طرق البيع..
وإذ كان الشرع يقول إن المهر حق خالص للزوجة، فوالدك ليس صاحب حق في اقتناص ثمن البيع وهو المهر،ووضعه في جيبه الخاص،لأن مهرك من حقك أنت وسيظل من حقك وحدك حتي تسامحي والدك، وكذلك مهر أختك فهو من حقها،وإذالم يعطكما مهريكما،فسوف ُيسأل عن ذلك يوم القيامة،
وكلمة أخيرة لكل أب غير مسئول مثل هذا الأب:
يمكنك أن تكون تاجرا شاطرا وكثير الربح ،
ولكن بعيدا عن لحمك،لأن من باع لحمه لايستحق أن يكون انسانا.
أما مثل هؤلاء السماسرة والمحامين معدومى الضمير فهم يرتكبون جرما في حق وطنهم وأنفسهم وحق الآخرين،ولن يجدوا مخلوقاً واحداً ينظر إليهم نظرة احترام لأن أمثالهم يستحقون مكانا واحدا للعيش فيه وهو السجن..
أما أنت يا عزيزتي فمن حقك أن ترفضي الزواج بطريقة النخاس. ومن حقك أن تختاري من تشائين ليكون زوجك ،حتى وإن عشت معه على البلاط ، ويكفيك فخرا ساعتها أنه يريدك زوجة طوال العمر،وليس زوجة لمدة شهر كل سنة،مثل كيس البطاطس المحمرة الذي يلقى عبوته الفارغة من يده بمجرد التهام ما بداخله.
وإذا استمر والدك في الضغط عليك ،فهدديه بإبلاغ الشرطة عن فعلته الحمقاء بتزويج ابنته وعمرها 11 سنة،وكان الله في عونك وعون أختك وأمثالكما كثيرات،ولا حول ولا قول إلى بالله تعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"