مرسال المراسيل

طبق جدي

مرسال المراسيل يكتبه : عبد اللطيف نصار

أحياناً أشعر أن حياتي بلا قيمة، وأنني فشلت في تربية أبنائي، وأنني أستحق كل ما يحدث لي، وأكتب إليك لأفضفض عما يجيش بقلبي، ويملأ عيوني بالدموع، بعدما شعرت أنني وحيد وسط صحراء لا زرع فيها ولا ماء، ولا كلمة طيبة، وكأنني أصبحت أشبه خيل الحكومة لابد من إطلاق النار عليَّ ،لأنني أصبحت بلا قيمة..
فأنا رجل مسن أشارف على دخول السبعين من عمري، كنت متزوجاً من سيدة فاضلة ربة بيت ،
ولا أتذكر لها سيئة واحدة، كانت توفر لي كل سبل الراحة عندما أعود من عملي في نهاية اليوم منهكاً، فإذا ما انتهت من أعمالها المنزلية ،أمسكت بالمصحف الشريف بحيث لا تتركه من يديها إلا إذا احتجت شيئاً تؤديه لي برضا. وخلال رحلة الحياة رزقنا الله بابنين وبنتا، سهرنا على تربيتهم وألحقناهم بالمدارس ليتعلموا تعليماً جيداً.
ولأننا كنا أسرة متحابة نخاف على بعضنا البعض،ولا نأكل اللقمة إلا إذا قسمناها، فقد رفض ابني الأكبر أن يتزوج حتى بلغ الأربعين من عمره، وبينما نحن كذلك أصيبت زوجتي الحبيبة بمرض عضال،لا أحب ذكر اسمه، وظلت تعاني عدة سنوات، وكنا نسهر على راحتها، ولم ندخر وسعاً في علاجها، وإجراء 3 عمليات جراحية لها، ثم فاضت روحها إلى بارئها راضية مرضية، وتركتني وحيداً حتى في وجود أبنائي معي..
وتقدم لابنتي شاب ابن حلال ،وافقت عليه بعد أخذ رأيها ،ثم تزوجت وأنجبت ،وتعيش حياة سعيدة، وظل معي ولديّ، فحاولت ترغيبهما في الزواج فكانا يتهربان مني، وعندما ألححت عليهما تحججا بعدم وجود شقق يتزوجان فيها، ولأنني أب حنون لم يكن يهمني إلا راحة أبنائي فقد فكرت في بيع الشقة التمليك التي كنا نقيم فيها لأعطيهما ثمنها يؤجران به شقتين ويجهزان نفسيهما ليتزوجا..
وخلال أيام قلائل أصبحت الفكرة واقعاً فاستأجر ابني الأكبر شقة وبدأ يجهز لعش الزوجية،واستأجر ابني الأصغر شقة وبدأ يستعد للزواج من بنت الحلال.
وقبل أن يخطب ابني الأكبر كنا نعيش معاً، ثم تعرف بفتاة وخطبها وبدأ يستعد للزفاف ،
فانتقلت للعيش مع أبني الأصغر في شقته، وبعد زواج أخيه بدأ هو أيضاً يبحث عن بنت الحلال حتى وجدها.
وبينما كان ابني الأكبر يستعد لاستقبال طفله الأول ،كان ابني الأصغر يأتي من العمل بوجه عبوس، ويدخل عليّ وكأنه داخل إلى السجن، وحاولت كثيراً معرفة مايدور بفكره، ويعكر عليه راحته، وبعد محاولات كثيرة أخبرني أن عروسته وأهلها يرفضون عقد القران والزواج إلا إذا تركت أنا الشقة!!
فسألته عن رأيه فلم يرد..
ولم أنم ليلتي ورحت أسترجع شريط حياتي منذ بداية زواجي،وكيف استقبلت طفلي الأول والثاني والبنت، وكيف كنت وزوجتي نسهر على راحتهم ونطعمهم ونحن جائعون، وكيف كنا نجمع القرش علي القرش لنشتري لهم الملابس والأحذية، وكنا نشتري لهم الفاكهة فيأكلونها ،وأنا وأمهم نتفرج فرحين ولا نتذوقها، وننام ليلنا شاكرين الله على نعمته.
وفي صباح تلك الليلة المشئومة خرجت من شقة ابني،وأنا لا أكاد أرى تحت قدمي، ومشيت على غير هدى، وجلست على كورنيش النيل،ولا أدري كم من الوقت والكيلومترات مشيت، حتى أشرفت الشمس على المغيب، فذهبت لأحد أصدقائي وقضيت عنده ليلتي، ومع شروق الشمس حملت نفسي ورحت أبحث عن شقة أو غرفة أقيم فيها ما تبقى لي من أيام في هذه الحياة، فوجدت شقة غرفتين وصالة فاستأجرتها مفروشة،ونقلت إليها ما لدي من أثاث كان في شقة ابني الأصغر..
ومضت بي الحياة يوماً وراء يوم ،وشهراً وراء شهر، وبينما أنا أجتر ذكرياتي مع زوجتي الراحلة وأبنائي، وأسترجع الأيام الجميلة علمت من ابني الأكبر أن ابني الأصغر يستعد للزفاف،فبكيت متمنياً له السعادة، وفي يوم زفافه اختفيت عن الأنظار ولم أحضر الزفاف، بل ولم أذهب إليه في منزله منذ تزوج وحتى الآن وذلك منذ حوالي عام.
وبينما أنا على حالتي، أسهر وحدي وأنام وحدي، وأستيقظ بلا أي أمل في الحياة ،فأذهب إلى المقهى لأمضغ الوقت طوال اليوم ولا أستطيع ابتلاعه،لاأدري إلي متي،وماذا فعلت لتكون أيامي الأخيرة هكذا؟
ولاأدري لماذا يعاملني أبنائي بهذه الطريقة،وأنا لم أقصر معهم في شئ ولم أبخل عليهم بما كان لدي؟
وهل أنا في حال تسمح لي بكل هذه البهدلة؟ أرجوك قل كلمة تريحني و”تطبطب” عليَّ!!

الحائر: م.أ
المعادي
—————————-
• ذهب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن والديّ مسنان ولا يقويان على الحركة، وأنا أرعى الغنم في البادية،وعندما أعود في المساء أحلب الأغنام،ولا أسقي زوجتي وأولادي ،وأظل حاملاً إناء للبن وواقفاً عند رأسي أبي وأمي حتى يستيقظا قرب الفجر فيشربان اللبن ،حتي يرتويا،ثم اعطي ابنائي مايتبقي منهما،ثم أرتاح سويعات قليلة لأبدأ يومي من جديد، فهل وفيتهما حقهما من الرعاية؟!
فقال الرسول الكريم: لا. فقال الرجل لماذا يارسول الله؟ فقال الرسول: لأنهما فعلا لك وأنت صغير مثلما تفعل لهما وأنت كبير، ولكنهما كانا يتمنيان لك الحياة، أما أنت فتفعل ذلك وتتمنى لهما الموت!
ويحكى أن رجلاً مسناً كان يعيش مع ابنه المتزوج وأبنائه وكان الابن يأكل مع أسرته،ولكنه نظرا لتقدمه في العمر كان يداه ترتعشان فلايستطيع الامساك بالاطباق جيدا،فيسقط بعضها من يده،ولما ضاقت زوجة الابن من ذلك ،خصص الابن( الزوج) لوالده طبقاً من خشب لأن يده لم تكن تقوى على حمل الأطباق الصيني فيكسرها.
وعندما مات الرجل أراد الابن أن يتخلص من الطبق الخشب، فقال له ابنه الطفل ببراءة “لأ يا بابا علشان لما تكبر تبقى تاكل فيه زي جدو”… فهذه هي الطبيعة البشرية يا سيدي.. ليس هناك أثقل من ابن آدم، ولكن هذا الابن الذي استساغ طردك من شقته التي هي من مالك أنت، ليعقد قرانه ويتزوج فيها لن يشعر بجرم ما فعل إلا عندما يصبح أباً ويعامله أبناؤه مثلما كان يعاملك وساعتها،سيندم ولكن بعد فوات الأوان.
وإذا كان ابنك فعل ذلك فهو مخطئ بلا شك، ولكنك مخطئ قبله، فهل يعقل أن يتنازل أب في أرذل العمر عن المكان الذي يأويه ثم بعد ذلك لا يجد غير الشارع مأوى، كان من الواجب أن تترك أبناءك يعتمدون على أنفسهم ويحصلون على شقق ليتزوجوا فيها بطريقتهم الخاصة طالما أنك لم تستطع تدبير هذه الشقق التي تزوجوا فيها باسمك أنت وليس بأسمائهم؟! ولكن ماذا يفيد البكاء على اللبن المسكوب وقد حدث ما حدث؟
وإذا كان موقف ابنك الأصغر بهذه الصورة، فماذا فعل ابنك الأكبر، هل تفضل مشكوراً وطلب إليك أن تذهب للإقامة معه؟
أم اكتفى بمصمصة شفتيه حزناً وأسفاً على ما فعل أخوه،وخوفا من ردة فعل زوجته ؟ إذا كان فعل ذلك فهو شريك في الإثم،وليس بريئاً مما يحدث لك، وكان الأجدر به وهو الأكبر أن يساعدك في البحث عن حل لمشكلتك،بدلاً من الركون إلى حضن زوجته وطفله!!
ولا يسعني في النهاية إلا أن أمد إليك يدي صديقاً يستمع إليك ،ويحمل عنك همومك إن أردت، وحسبك الله ونعم الوكيل.
#عبداللطيف_نصار

زر الذهاب إلى الأعلى