مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: محنة الإعلام الثقافي

وسط زخم إعلامي متعدد الروافد والمنابع..يبقى “الإعلام الثقافي” في مصر أشبه بطفل يتيم، تقطعت به السبل، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فمن السبب، وأين تكمن المشكلة، وما هو الحل؟!
ابتداءً..نتوقف قليلاً مع أعراض الأزمة وملامحها، وهل هي حقيقية وواقعية أم مُفتعلة.
إن إلقاء نظرة عامة على الوسائط الإعلامية المختلفة: “صحافة ورقية ومواقع إلكترونية وإذاعة وتليفزيون” سوف يقودك إلى نتيجة حتمية لا تحتمل تشكيكًا تؤكد أن “الإعلام الثقافي” في مصر، ليس في أفضل حالاته، وربما يكون هو الأكثر إهمالاً مقارنة بتنويعات الإعلام الأخرى بدءًا بالفن والرياضة، وليس انتهاءً بالطب والسياسة مثلاً، ليس مؤخرًا فقط، بل منذ سنوات غير قليلة.
في الصحافة الورقية مثلاً..تقلصت المساحات المخصصة للثقافة في معظم الصحف السيَّارة، أو اختفت تمامًا من بعضها،وما تبقى منها تحكمه المصالح والعلاقات الشخصية والمجاملات الصارخة؛ ومن ثمَّ فإن الصحافة الثقافية الورقية تخلت في سنواتها الأخيرة عن الاضطلاع بدورها في اكتشاف المواهب الجديدة وإلقاء الضوء على أعمالها، يُستثنى من ذلك إصدارات وزارة الثقافة والمطبوعات الصادرة عنها، التي تتطلب دعمًا أكبر واهتمامًا أوسع.

وفي البوابات الإلكترونية..لا وجودَ تقريبًا للثقافة؛ بل إن كثيرًا منها يُسقطها من أولوياته، ويكتفي –في أفضل الحالات-بنشر البيانات الصادرة عن وزارة الثقافة، أو تضخيم “كلمات مبتورة” أو “زلة غير مقصودة” لأديب بارز أو شاعر مُفوه؛ اتساقًا مع “لعبة الترند ولعنته”، ومن ثم تحقيق المشاهدات وحصد اللايكات والتفاعلات!
وفي الإذاعة الرسمية..تراجعت بقوة البرامج الثقافية المهمة القادرة على إضافة معلومة مهمة للمستمعين وتنويرهم والارتقاء بمستواهم الفكري؛ ويكفي أن إذاعة البرنامج العام –مثلاً- لا تزال تذيع برنامجي: “وقال الفيلسوف” و”لغتنا الجميلة”؛ وهما برنامجان قديمان، وكأنه لم يعد في جُعبة القائمين على الإذاعة ابتكار برامج وأفكار جديدة.
ويبقى التليفزيون الرسمي أيضًا عاجزًا خاملاً غير قادر على تقديم برامج متميزة على الصعيد الثقافي؛مقتفيًا في ذلك أثر الفضائيات التي تجعل في صدارة أولوياتها برامج الطبخ والغناء والرياضة وما شابه؛ بزعم أن البرامج الثقافية لن تجلب الإعلانات، وهذا مفهوم خاطيء ومرتبك جدًا؛ لأن إنتاج برامج ثقافية قادرة على الإنفاق على نفسها وتحقيق أرباح ليس أمرًا مستحيلاً؛ شريطة أن يُوسد الأمر إلى أهله وليس غيرهم!
يجب أن يحتل “الإعلام الثقافي” حيّزًا مهمًا في مجال العمل الإعلامي؛ بحيث يكون الوسيلة الفعالة لخلق جسور بين صُناع الثقافة بمفهومها الأرحب عامة من ناحية، وبين المتابعين من ناحية ثانية؛ بهدف توفير جو ثقافي صحي يُسهم في دفع الحركة الثقافية نحو التقدم، والتواصل ودمجها في المجتمع، وليس إبعادها وتقزيمها وتهميشها، أو حفظها في برج عاجي في أفضل الأحوال.
إن معظم المصريين يجهلون أسماء ومنجزات آخر جيلين -على الأقل- من المفكرين والكُتاب والأدباء والشعراء، وقد لا يتعرفون على أسمائهم إلا إذا حَلوا ضيوفًا في برامج أو مسابقات أو صحف عربية. قد لا تجد خبرًا في صحيفة مصرية عن أديب تم ترشيحه للتصفيات النهائية في مسابقة ثقافية عربية أو دولية، في الوقت الذي تجده ملء السمع والبصر في في فضاء الإعلام العربي..إشكالية غريبة ومعقدة فعلاً.
وإجمالاً..فإن مجال “الإعلام الثقافي” خضم واسع وثريّ؛ إذ إن الثقافة تعني كل ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة من فكر وعلم وإبداع، وإنشاء في كل مناحي الحياة الإنسانية، أما قَصر الثقافة على فعاليات محدِّدة مثل: الفكر والأدب والفن والمسرح والسينما والموسيقى فهو خطأ كبير يجب إعادة تقويمه.‏
يحتاج مفهوم “الإعلام الثقافي” إلى إعادة صياغته وتوسيع آفاقه، ومن ثم إعادة النظر إليه باعتبارهم مهمًا ومؤثرًا وفعالاً؛ تمهيدًا لتغيير تلك النظرة القاصرة، ثم التفكير جديًا من صناع القرار وأهل الحل والربط في وضع خطط واقعية وفعالة لإحيائه وتصويب مساراته وإدراجه في المكانة التي يستحقها.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"