مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : كوابيس نيتانياهو

0:00

يدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو أن يحقق انتصارا في حربه ضد حماس، ويستشهد بعدد الضحايا الفلسطينيين وما تسببت فيه وحشية الجيش الإسرائيلي من خسائر لدي قطاع غزة وبنيته التحتية من مساكن وطرق، وما لحق به من دمار يتطلب سنوات طويلة كي يتم إعادة تأهيله مرة أخرى..ولكن المدعو نيتانياهو يتناسى حجم خسائر إسرائيل من جراء هذه الحرب الوحشية والعبثية في نفس الوقت، ويكفي ما كشفت عنه تقارير عالمية أكدت خسارة إسرائيل ما يقرب من ٦٧ مليار دولار على الأقل حتى وقتنا الراهن، وهذا الرقم مجرد حصيلة أولية وليست نهائية.
الإسرائيليون بعد أشهر من الحرب المؤلمة على الفلسطينيين وعليهم أيضا بدأوا يحصون جراحهم الاقتصادية، فالحرب ألقت بثقلها على كاهل الاقتصاد الإسرائيلي ليدفع بذلك فاتورة باهظة هي الأغلى في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل؛ بدليل أن الاقتصاد يشهد انهيارا كبيرا نتيجة التكاليف المرتفعة والخسائر المالية المباشرة وغير المباشرة. وبعد أكثر من٢٠٠ يوم من الحرب، أصبحت الخسائر الاقتصادية دليلا واضحاًعلى حجم المعاناة الفادحة، وهو أمر تعكسه البيانات والأرقام الرسمية التي تنذر بالمزيد من التطورات السلبية المحتملة.
لن نتطرق لعناصر اقتصادية كثيرة تدلل على حجم المعاناة الاقتصادية الإسرائيلية، فالرقم الذي كشفه بنك إسرائيل (البنك المركزي) وهو ٦٧ مليار دولار يؤكد مدى معاناة الإسرائيليين، فالاقتصاد العام يشهد انكماشا كبيرا، ناهيك عن أضرار الحرب على عملية إعداد موازنة السنة الحالية، مما اضطر الحكومة إلى اتخاذ قرارات صعبة تمثلت في تعزيز الإنفاق العسكري على حساب قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والاستثمار. كما رفع الواقع المالي الضاغط نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من ٦٠٪ عام ٢٠٢٢ إلى ٦٢٪ العام الماضي، وسط توقعات بأن يرتفع في ٢٠٢٤ إلى ٦٧٪ ٪.
ووفقاً لوزارة المالية، تراكمت ديون إسرائيل تصل قيمتها إلى بقيمة هائلة بلغت ١٦٠ مليار شيكل( ٤٣ مليار دولار) في ٢٠٢٣، منها ٨١ مليار شيكل تمّ اقتراضها منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر الماضي. مما أضطرت تل أبيب معه إلى بيع سندات دولية قيمتها ٨ مليارات دولار.
الحديث عن الخسائر الاقتصادية لإسرائيل يطول، خاصة مع ضربات السياحة الموجعة، وتراجع عوائدها، فقطاع السياحة من أكثر القطاعات تأثرا بالحرب، فتوقفت معظم الخدمات الفندقية وتراجع أعداد الزوار بشكلٍ ملحوظ، وألغت إسرائيل الشتاء المنقضي الموسم السياحي في جبل الشيخ ( من أراضي الجولان المحتلة) أشهر وجهة للتزلج على الثلوج في إسرائيل.
وإذا كانت كل دولة تحاول جاهدة الحفاظ على تصنيفها الائتماني، فهو في حالة خطر في إسرائيل، ليشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد، ويطرح تساؤلات في نفس الوقت عن مدى إمكان التعافي؟..الإجابة سلبية بالطبع، لأنه مع استمرار الحرب، فإن المخاطر المحتملة المرتبطة بها سوف تتصاعد بشكل متزايد، مع اتجاه تصاعدي في تكاليف الاقتراض، في حين أن القاعدة الضريبية آخذة في الانخفاض. علاوة على ذلك، فإن محركات النمو الرئيسية للاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة الاستهلاك الخاص والاستثمار، وصلت إلى طريق مسدودة.
وعليه، فمن المؤكد أن استمرار الحرب سيؤدي على ارتفاع تكلفة الخسائر للاقتصاد الإسرائيلي، مما يؤدي إلى تباطؤ في النمو خلال العامين الماليين الحالي والمقبل. ويترافق ذلك مع زيادة كبيرة في عجز الموازنة، نتيجة تخصيص حكومة تل أبيب موازنات إضافية لدعم الجيش وتقديم المساعدة للمدنيين ودعم الشركات المتضررة من الحرب.
هذا من ناحية الاقتصاد فهو عنصر أساسي يتأثر به الإسرائيليون بدرجة كبيرة، وليس أقل منه الخسائر السياسية التي لحقت بإسرائيل على المستوى الدولي، وكذلك حكومتها المتطرفة التي ينتظرها مستقبل مظلم، ويكفي نية المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهم إلى قادة حرب إسرائيليين وأعضاء من حكومة نيتانياهو نفسه، بما يفرض عليهم جميعا منع مغادرة إسرائيل خشية اعتقالهم.
وليس بأقل مما سبق، استقالة م رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أهارون هاليفا من منصبه، على خلفية الإخفاقات في رصد ومنع هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وهو حدث هز المجتمعين العسكري والسياسي الإسرائيلي وقلما يحدث في إسرائيل، وهو ما تم تشبيهه في تل أبيب بأنه “زلزال سياسي بدرجة عالية في سلم ريختر”.
فشعبة (أمان) هي أضخم شعبة في الجيش الإسرائيلي، ومسئولة عن رصد تحركات العدو، وتحليل المعلومات الهائلة التي تتجمع لديها، واستخلاص الاستنتاجات إزاء نياتها، ويدخل في نطاق عملها التحذير من النشاطات والنيات الحربية، وبناء على تقديراتها يتم وضع الخطط الحربية الإسرائيلية. وهي نفس الشعبة التي تحملت لمسئولية عن الإخفاقات في حرب أكتوبر ١٩٧٣، لتكون حرب غزة عارا على (أمان).
ويعتقد جزء كبير من الإسرائيليين بأن هاليفا اختار هذا الموعد للاستقالة، مع رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ليرسل إشارة إلى الجمهور بأن الحرب في غزة قد انتهت منذ فترة طويلة ولم تعد مجدية، مع اتهام الحكومة بالاستمرار فيها فقط، لأن مصلحة نيتانياهو تقتضي ذلك؛ خدمة لأغراضه. كما تتضمن أسباب الاستقالة – ضمينا – توجيه الاتهام الأكبر إلى نيتانياهو لأنه نفسه لم يكثرت بتحذيرات كثيرة تم إرسالها لمكتبه عن نية حماس شن هجوم على أهداف إسرائيلية ولكن تجاهلها بسبب انشغاله بالإصلاح القضائي وإغلاقه آفاق التسوية السياسية.
نيتانياهو لا يعيش أجواء انتصار على حماس كما يدعي، ولكنه لا تمر عليه ليلة إلا وزارته الكوابيس، فهو يدرك تماما أنه مصير السجن، في قضايا فساد، ثم قرار استمرار الحرب الذي يكلف إسرائيل مليارات الدولارات وتراجع مستواها الاقتصادي، فهو يطيل أمد الحرب ليدعي أنه حقق الانتصار على عدو اسرائيل، على حماس، ولكن واقع الحال هو يعيش أجواء الهزيمة، فبعد أكثر من مائتي يوم على الحرب لم يستطع تحرير رهينة وحيدة سوى من خلال مفاوضات الهدنة.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"