مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : سيناريوهات ما بعد حرب السودان

في أواخر مايو الماضي..تفقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، بعض مواقع قواته وخاطب العسكريين قائلا:”القوات المسلحة لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة حتى لا تدمر البلاد، لكن إذا لم ينصع العدو أو يستجب فسنضطر لاستخدام أقصى قوى لدينا”. وأضاف البرهان:” القوات المسلحة ستظل مستعدة للقتال حتى النصر..والأعداء لن ينالوا من هذه البلاد..النصر قريب لا محالة”.

هذه التصريحات صدرت من أكبر مسئول بالسودان بعد حوالي شهر ونصف شهر على بدء الحرب بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو”حميدتي” التي يطلق عليها البرهان “العدو، الأعداء، الميلشيات، المتمردين”. وبدا من كلام البرهان أنه واثق من النصر على المتمردين الأعداء خونة البلاد، ولكن بعد مرور أكثر 5 أشهر تقريبا لم يستطع طرف تحقيق النصر على الآخر، فالدعم السريع لم تستخدم تعبير “النصر” في مفرداتها الإعلامية نهائيا، في حين استخدمه البرهان مرارا، ملحوا بالقوة الجوية الضاربة التي بإمكانها حسم المعركة لمصلحة القوات المسلحة، في حين لمح بعض معاونيه باستخدام أسلحة ممنوعة، ولكن المهم ان المعركة لم تُحسم الآن، حتى خرج مالك عقار نائب رئيس المجلس السيادي بتصريحات الأسبوع الماضي استخدم فيها تعبيرا يأتي لأول مرة على لسان مسئول بوزن نائب رئيس المجلس السيادي، فهو صرح بأن الحرب ستنتهي بالمفاوضات يوما ما، وهو اعتراف ضمني بأن لا قوة أو طرف تستطيع حسم الحرب لصالحها، وبالتأكيد لم يكن مالك عقار غائبا عن الوعي عندما استخدم تعبير “المفاوضات” رغم اكتفائه بذلك وعدم توضيح ما ذكره.

القوى المدنية بالسودان لم تعد تصدق آية تصريحات تأتي على ألسنة قادة مجلس السيادة، وهم ليسوا وحدهم في هذه القضية، بل يشاركها الإسلاميون “أنصار الرئيس المخلوع عمر البشير”، فعلى سبيل المثال خرج عقار برسالة للأخوان طالبهم فيها بالابتعاد عن المشهد السياسي برمته ” احفظوا بضاعتكم، فهي منتهية الصلاحية”. لم يشر عقار ما إذا كان الإسلاميون هم الذين حرضوا على إشعال الحرب الحالية عبر تغلغلهم في صفوف القوات الملحة سعيا منهم لاستعادة الحكم الذي فقدوه في انتفاضة شعبية في أبريل 2019.

لم تمر هذه الجملة مرور الكرام، فهي أثارت حفيظة الجميع( المدنيين والإسلاميين) على السواء، الإسلاميون كانوا عنيفين في ردهم الغاضب على نائب رئيس المجلس السيادي “قضى الزمان الذي يستور فيه فرد إرادة وقرار أهل السودان، الفيصل بيننا وبين رواج بضاعتنا هو رأي الشعب وصناديق الانتخابات. لم يتوقف الأمر على غضب الإسلاميين، بل اتهموا مجلس السيادة بـ”الفهم الخاطئ والقاصر” الذي لا يتماشى مع الوضع الراهن.

وثمة جملة أثارت حفيظة الإسلاميين تلفظ بها مالك عقار أكثر من غيرها “الحرب ستتوقف في نهاية الأمر عبر التفاوض” وهو الأمر الذي يراه الإسلاميون ضد رغبتهم في استمرار الحرب، لأنهم يرونها السبيل الوحيد لاستعادة سلطتهم عبر تحقيق انتصار عسكري كبير للجيش على الدعم السريع، فهم يدعمون الجيش ضد الآخر على اعتبار أن حميدتي وقف لهم بالمرصاد واتهموا بالتوغل في صفوف الجيش وأنهم الذين حرضوا الجيش على الانقلاب على الاتفاق الإطاري الذي بموجبه كان المدنيون سيتسلمون قيادة البلاد، ولكن الإسلاميون ينفون كل هذه الاتهامات.

ولأول مرة، منذ بدء الحرب في منتصف أبريل الماضي، يشن الإسلاميون هذه الحملة ضد المجلس السيادي ممثلا في مالك عقار، فكانت رسالتهم عنيفة ضده “إننا على العهد ماضون ولن يثنينا عن واجبنا غدر خائن أو متراجع جبان”.

وهنا أقرت الحركة الإسلامية بأنها شاركت قوات الجيش في الحرب ضد الدعم السريع “نفتخر بأن نتشارك مع قوات الجيش في العمليات العسكرية بدحر قوات الدعم السريع”، واعترف الحركة بتطوع أنصارها من الشباب في صفوف الجيش استجابة لنداء البرهان بتطوع الشباب. ربما اعتراف الحركة الإسلامية أضطر الجيش الذي طالما حميدتي باستخدام فلول الإسلاميين الأخوان وشبابهم لإعادتهم للسلطة.

أنهى الإسلاميون رسالتهم لمالك عقار والمجلس السيادي وكل القوى المدنية والسياسية بلهجة تحذيرية “الفيصل بيننا وبين رواج بضاعتنا رأي الشعب وصناديق الانتخابات وليس كلمات من شذاذ الأفاق لاسترضاء ساداتهم”.. وهنا الطامة الكبرى، فالإسلاميون يستعدون من الآن لخطوة ما بعد انتهاء الحرب والتسوية السياسية لخوض الانتخابات المقبلة، وواضح أنها يركنون إلى شعبيتهم التي لا تزال موجودة في الشارع السوداني، ويعتقدون أنها ستؤهلم للفوز واستعادة حكمهم من جديد.

ورغم أن العنوان الكبير والمهم لتصريحات مالك عقار هي أن مجلس السيادة يبعد نفسه عن أنصار البشير، إلا أن القوى السياسية رفضت تصريحاته هي الآخري وكالت له الاتهامات، فالقوى المدنية اعتبرت كلمات مالك عقار خريطة طريق للسودان تبدأ بالتوصل إلى اتفاق لوقف النار ثم بدء حوار من القوى السياسية يؤسس لمرحلة انتقالية وإجراء انتخابات، وهم يرون أنه مخطئ، وكان يجب عليه أن يعلن هذا ضمن خطة سياسية باسم المجلس السيادي وليس مجرد تصريحات ممكن يتراجع عنها لاحقا، ولكن أهمية التصريحات هي قوله “الحرب ستنتهي بالمفاوضات” وهو ما اعتبرته القوى السياسية إيذانا ببوادر التوصل إلى اتفاق بوقف الحرب على أن تكون نتيجة الصراع صفرية ( لا غالب ولا مغلوب).

وبدلا من خطة مالك عقار، عرضت القوى المدنية خريطة طريق من عدة نقاط:

· أن يعلن المجلس السيادي خريطة طريق رسمية على كل المنابر وتكون قاطعة وشاملة وليست على لسان أحد حتى لا تكون مثل بالون اختبار، حتى لا يأتي الغد ويقول أي متحدث بها أنها كانت على مسئوليته الخاصة وليس باسم المجلس السيادي.

· إعلان المجلس السيادي مبادرة تجمع كل القوى السودانية يعلن فيها إنهاء الحرب فورا، خاصة وأن إعلان مالك عقار أن وضع السودان يدعو إلى تشكيل حكومة لتيسير شئون البلاد لن يتحقق على أرض الواقع، فالبلاد في حالة حرب ويعاني ويلاتها ومآسيها وخسائرها، فكيف لحكومة تيسير أعمال تتولى الحكم في هذا التوقيت..

وتمسكت القوى المدنية بموقفها قبل الحديث عن أي مشاركة مع المجلس العسكري، وهو أن وقف الحرب هو الخطوة الوحيدة التي يمكن أن يبدأ منها الحل.

· إلقاء القبض على أنصار البشير وإعادتهم للسجون، خاصة وأن النظام أطلق سراح العديد منهم منذ بدء الحرب.

وفي النهاية حدد مدنيو السودان رؤية شاملة لإنهاء الحرب وتتكون من:-

· بناء جيش واحد قوي يعكس تنوع السودان ويخضع للسلطة المدنية

· التأسيس لنظام حكم مدني ديمقراطي حقيقي على جميع المستويات.

· تأسيس مرصد مستقل لرصد انتهاكات الحرب من الجيش والدعم السريع.

· التوصل إلي حل سياسي قائم على المواطنة المتساورية والديمقراطية والسلام والمحاسبة والشفافية.

· إعلان خطة لإعادة بناء البلاد بعد الحرب وإصلاح النظم والمؤسسات المالية

· حشد الموارد وتوفير الآليات لكل مكونات المجتمع السوداني المتضررة من الحرب.

· وضع مشروع شامل لإعادة الإعمار في كل ربوع السودان، والتخطيط لإعادة النازحين واللاجئين.

· إنشاء صندوق لتعويض المضارين من الحرب.

· تقديم كل المنتهكين لحقوق الإنسان للمحاكمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"