د. إيمان إبراهيم تكتب : المرأة وحديث الإمام (5)
الطلاق كلمة يهدد بها الكثير من الرجال ويتشدقن بها الكثير من النساء كحق من حقوقهن، كما يتشدق بعض الرجال بحقهم في التعدد، وكلٌ منهما يغض طرفه عن ما يترتب علي الطلاق من آثار، فالطلاق كلمة تحمل في طياتها الكثير من المعاناة والألم والشتات النفسي والمعنوي للأسرة حال وقوعه، لاسيما الزوجة ففي مجتمعاتنا العربية التي تعتبر الطلاق في كثير من الأحيان وصمة في حياة المرأة، وتوجه لها أصابع الاتهام علي أنها المسئولة عن حدوث تلك الوصمة، وإن لم تقترف أي ذنب مع الزوج يؤدى إلى طلاقهما، مقابل عدم توجيه أي لوم للزوج رغم اتيانه ببعض أو جُل التصرفات التي تجبر الزوجة على طلب الطلاق لعدم قدرتها على تحمل العيش معه كزوجة.
وربما يكون العكس لدى بعض الرجال رغم ندرتهم عندما يصبحون ضحية زوجاتهم مما يجعلهم يلوذون بالطلاق فرارًا من سوء عشرتهن، ويزداد الأمر صعوبًة عند وجود أطفال، لاسيما في ظل نشوب الخلافات بين الوالدين، والتي تنعكس بالفعل على معاملتهم لأبنائهم، لتسلب حقهم في حياة آمنة يسودها الوئام والاستقرار، إضافًة إلى حقهم في اختزال صورة طيبة عن والديهم، ربما لأن الخلافات بين الوالدين تتصاعد بعد الانفصال، وغالبًا ما تؤول إلى أروقة المحاكم، وعندها يتعرض هؤلاء الأطفال لكافة أشكال العنف، ليصبحوا عبارة عن دمي يستخدمها كلا الأبوين في تصفية حسابه مع الآخر ابتداء من المطالبة بالنفقة والحضانة والرؤية وغيرها من القضايا التي من شأنها أن تشوه صورة الأب أو الأم او كليهما عند الأطفال والتي غالبًا ما تجعل الطفل في حالة نفسية سيئة، ودون أن يلتفت الآباء إلى حقوق هؤلاء الأبناء عليهم.
ولهذا كله أناشد جميع الآباء قبل أن يفكرا في الاقدام علي هذه الخطوة أن يجيب كل منهما على بعض التساؤلات ليدركا خطورة ما قد يلحق بأبنائهم بعد الطلاق، ومنها ما شعور الأبناء عند ابتعادهم عن أحد الوالدين بعد الانفصال؟ وما مصيرهم حال ارتباط أحد الوالدين أو كلاهما بشريك جديد؟، وهل الطفل الذى ينشأ بين أبوين منفصلين يتمتع بنقس القدر من الاهتمام والرعاية و السواء النفسي مثل الطفل الذى يعيش بين أبوين لم ينفصلا؟.
وعندها تأملت مدى الظلم الواقع بشكل كبير على المرأة والطفل والذى نادرًا ما يقع على الرجل جراء هذا الطلاق الذى أقرته الشريعة الإسلامية، مما دفعني أن اتحدث مع نفسي بنظرة غير متخصصة في أحكام الشريعة الإسلامية، ووفقًا لتأثيرات الطلاق المتعددة على الأسرة بل والمجتمع بأثره، وعندها جال بخاطري تساؤل رغم يقيني بأن الطلاق حق لكلا الزوجين، ولكن هل الحقوق تتعارض عند الأداء؟ فإذا كانت الإجابة بلا فكيف لا يكون هناك تعارض عندما ينفصل الطفل عن أحد أبوية أو كليهما نتيجة طلاقهما وما يترتب علية من أزي مادى ومعنوي للطفل؟، وكيف ينشأ طفلاً سويًا في ظل المشاجرات والمشاحنات ليس فقط بين والديه، بل ربما يتطرق الأمر إلي الأجداد الذين هم من المفترض أن يكونوا ملاذ الطفل وحصانته من أي قيد لفعل ما يمكن أن يسعده؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فهل الشريعة الإسلامية تقر أو تبيح شيء تتعارض فيه الحقوق؟!
إلى أن سمعت حديث فضيلة الإمام الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر عن «الطَّلاق» وموقف شريعة الإسلام منه، وهو أنَّ فلسفةَ الإسلام في بناءِ الأُسرة تستبعدُ جَذْريًّا اللجوء إلى هذا الحل ما أمكن تفاديه وإنقاذ الأسرة من عواقبِه الأليمة. و أنَّ الإسلام لم يُشرِّعه للمسلمين كشرع جديد لم يكن للناس عهدٌ به من قبل، وهو في ذلك يشبه موضوع تعدُّد الزوجات، بحيث يصح القول بأن أيًّا من فوضى «التعدُّد» وفوضى «الطَّلاق» ليس تشريعًا إسلاميًّا جديدًا على الناس مسلمين وغير مسلمين، بل العكسُ هو الصحيح تمامًا، وقد مرَّ بنا أن التعدُّد بين الزوجات في الجاهلية قبل الإسلام لم يكن له سقف يتوقف عنده، وأنَّ الإسلام هو الذي حدَّد هذه الفوضى بأربع فقط، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بموضوع الطلاق، الذي وقف منه الإسلام نفس الموقف من تعدُّد الزوجات.
وأوضح فضيلة الإمام أن الإسلام ظهر وللرجل كامل الحق في أنْ يُطلِّق زوجته أي عدد شاء من الطلقات، ويراجعها في عِدَّتها فتعود إلى عصمته متى شاء، وقد ترتَّب على هذه الحرية الهوجاء في التطليق والإمساك لحوقُ أضرار بالغة بالمرأة جعلت منها أسيرة كَرٍّ وفرٍّ، وجزرٍ ومدٍّ، لعصمة هؤلاء الرجال ونزعاتهم اللاإنسانيَّة.. وقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الحال، وأصاب المرأة المسلمة في بداية الإسلام ما أصاب مثيلاتها الجاهليات من هذا العبث المستقر والمبرر في أعراف الجاهلية.
وتابع فضيلته أن المفسِّرين ذكروا أن رجلًا هدَّد زوجته في عهد النبي ﷺ بأنه لن يأويها إليه، ولن يدعها تحل…