د.أمانى فاروق تكتب : “هزلى – هادف” .. ضحك يرسم الوعي
حين تلتقي السخرية بالمعنى، يتحول الضحك من مجرد ترفيه عابر إلى أداة تزرع الوعي في النفوس وتلهب العقول بالتساؤلات ، في حياتنا المليئة بالأحداث المتسارعة والواقع الملتبس، تنبثق السخرية الهادفة لتكون نبضًا لفهم التناقضات التى نعيشها وسط ضغوط الحياة ومشاكلنا الحياتية اليومية ، وبينما تتنوع أشكال هذا الفن بين البرامج الساخرة والمقالات الكوميدية وألوان الكوميديا السوداء، التي تمتزج فيها الدموع بالضحكات، يبقى الهدف واحداً وهو التمسك بالأمل والتفاؤل بأن القادم افضل بإذن الله.
داخل الأسرة المصرية، تظهر السخرية الهادفة كوسيلة للتواصل الفعّال بين أفراد العائلة، وهو ما يجسد الروح المرحة التي تضفيها الأم في تعاملاتها اليومية ، فكثيرًا ما تلجأ الأم المصرية إلى النكتة أو العبارات الساخرة عندما تُذكر أبناءها بمسؤولياتهم أو تنتقد بعض تصرفاتهم، ما يخلق جوًا من التفاهم ويكسر حدة التوتر، ليجعل العلاقة بينها وبين أسرتها أكثر انسجامًا ، ولا يتوقف الأمر عند الأم فقط؛ فالأب بدوره يواجه تحديات الحياة الاقتصادية التي نتجت عن الأزمات الاقتصادية العالمية ، باستخدام روح الفكاهة، ما يُضفي نوعًا من السكينة ويعزز الترابط الأسري، فلا يوجد مجتمع لا يواجه صعوبات.
ولا يمكن الحديث عن السخرية الهادفة دون التطرق إلى الكوميديا السوداء، التي تأخذ من الأحداث الصعبة مادة للسخرية ، هذه الكوميديا تكشف أحيانًا عن الجانب المؤلم للواقع في أحيان عدة، لكنها تقدم دروسًا وعبرًا مغلفة بالضحك الذي يخفف من حدة المعاناة.
في ظل الظروف الاقتصادية والتحديات اليومية، يظهر المصريون قدرتهم على تحويل هذه المواقف إلى مادة للضحك. فحتى في أصعب اللحظات التي نعيشها نستطيع تحويلها إلى مسرح للطرائف التي تجعل من الصعوبات مشهدًا مرحًا يجمع الجميع على طاولة الضحك والتضامن، لتجعلنا نتساءل عن مدى قوة هذه الروح الإنسانية في تخطي المحن.
ومع الانتقال من الحياة الأسرية إلى الشاشات، نجد أن البرامج الساخرة تمثل نموذجًا للضحك الهادف الذي يخاطب قضايا المجتمع بشمولية ، وهذه البرامج لم تكن يومًا مجرد وسيلة للترفيه فقط، بل أداة لفتح حوار مجتمعي يتناول القضايا الهامة بأسلوب ساخر يثير تساؤلات الجمهور ويحفزه على التفكير بعمق. هي مرآة تعكس تناقضات المجتمع، تجعل المشاهدين يضحكون بينما تتسرب إليهم الرسالة الإعلامية في قالب خفيف يحفز التفكير ويعمق فهمهم للواقع.
ومن هذه الشاشات إلى تفاصيل اليوميات، نجد أن المصريين بارعون في إيجاد الطرائف في المواقف التي تبدو هزلية، تتردد النكات بين الناس كوسيلة للتخفيف من الضغوطات. هذه الطرائف تحمل في طياتها حكمة مخفية، تعلمنا أن مواجهة التحديات اليومية بروح الفكاهة ليست مجرد هروب، بل أداة للتضامن والتماسك الاجتماعي، تُظهر لنا كيف يمكن للسخرية أن تُحول الصعوبات إلى لحظات من التآلف والود.
في نهاية المطاف، تُعلمنا السخرية الهادفة أن الضحك ليس هروبًا من المآسي، بل وسيلة لمواجهتها بنظرة مختلفة، تضفي بريقًا من الأمل وتساعدنا على فهم التحديات التي تواجهنا، وتدعونا لإعادة النظر في تفاصيل حياتنا اليومية بعيون أكثر إشراقًا ، نحن نعيش حياتنا لمرة واحدة فقط فلا داعي أن نضيف إليها مزيدا من الصعوبات بل يجب أن “نعيشها ببساطة” ونتكيف مع الواقع ونبحث عن آليات أفضل للتعامل معه.
———
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الاعلامى