مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: عمك الحاج قال فُضَّها!!

0:00

في زمنٍ كهذا الزمن، يبحثُ فيه المرءُ عن السَّتر، ولا يُريدُ أنْ يطَّلِعَ أحدٌ على دواخلِ أحوالِه المادية، في الوقتِ الذي تكونُ هناك فيه واجباتٌ اجتماعيةٌ ربما تُكلفه ما لا يُطيق، وتكشفُ هذا السَّترَ الذي أسدله اللهُ عليه… أقول: في مِثلِ هذا الزمن يبحثُ المرءُ عن قُدوةٍ حقيقيةٍ لا تُبالي بكلامِ الناس، ولا تُعِيرُ انتباهًا للمظاهرِ الكاذبةِ الخادِعة التي يكون ضررُها أكثرَ من نفعِها، هذه القدوة يُحَمِّلُها المرءُ مسؤوليةَ ما يُريد فِعْلَه، فهو يَفعلُ كما فعلَ القُدوة، أو إنه استشار الشخصَ القُدوة الذي يَعتز الجميعُ برأيه، وقد خضعَ لرأيه ونفَّذ، فلا ملامةَ عليه إذن!!

أقولُ هذا بمناسبةِ المظهرِ الرائع البسيط الذي ظهرَ عليه عزاءُ شقيقةِ الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور (أحمد الطيب) شيخ الأزهر الشريف _ رحمها الله _، والذي جاء قُدوةً للجميع، ورسالةً إلى مُدمِني البهرجة في إقامةِ سُرادقاتِ العزاء، التي أصبحتْ تُنافسُ الأفراحَ في البذخِ المرفوضِ في كلِّ الأحوال. الإمامُ الأكبر استقبلَ كبارَ رجال الدولة، ووفودَ الدول في دار ضيافتِهم بمدينة الأَقصر حيث يُقَدَّمُ واجبُ الضيافة من الماء والشاي، وتُلاحظ أنه لا يوجدُ إبعادٌ للأشخاص العاديين _ الذين هم أهلُنا _ مِن أجل عُيون كبار المسؤولين!! وهذه رسالةٌ أخلاقيةٌ أخرى يَنبغي ملاحظتُها ما دام الجميعُ يلتزمُ الأدبَ والاحترامَ والوقارَ ومعرفةَ أقدارِ الناس.

ومِن هنا يُمكن لكلِّ مَن يرى أن الظروفَ وكثرةَ وأهميةَ مَن سيحضُرون العزاءَ هي التي تُجبره على إقامةِ السُّرادقِ المبالغِ فيه أنْ يَستشهِدَ أمامَ الناس بما فعله الإمامُ الأكبر: إذا كان شيخُ الأزهر وهو مَن هو قيمةً وقامةً أقامَ عزاءً بسيطًا، فهل أنا أفضلُ من شيخ الأزهر؟! هل سيأتيني مُعَزُّون بأهمية من أتَوا لشيخ الأزهر؟! وساعتَها ومن خلال هذه الإجابة أقول لك: يجوز حينئذٍ أن تقول (علّقها في رقبة عالِم واطلَعْ سالِم)!!

ذكرني الأمرُ بما حكاه لي أبي _ رحمه الله _، إذ كان البعضُ في قريتنا (سنباط _ غربية) حين تَحدُثُ حالةُ وفاةٍ عنده، يُريد أن يأخذَ صكًّا لا يَلومُه الناسُ بعد أخذِه والعملِ بما فيه، فيذهب لجَدي _ رحمه الله _ وقد كان يَعلم أحوالَ الناسِ في عصره وبيئتِه جيدًا، فيقول له: (نِقرِّي يا عم الحاج ولا نُفُضَّها)؟! والمقصود: هل نُقيمُ سُرادقًا للعزاء وندعو قارئًا مشهورًا _ وهو الأمرُ الذي يُكلف كثيرًا _ أم نقومُ بشُكر الناس وفضِّ تجمعِهم من أمام المقابر، ثم نأخذُ العَزاء في دار الضيافة الخاصة بالقرية أو الناحية؟! ولأن جَدي كان يعلمُ أحوالَ الناس، فكان يُجيبُ السائل: (لأ فُضَّها)!! وهو ما يَعني طَوْقَ النجاة أو الحبلَ الذي سيُنقذ السائلَ من الغَرَق وملامةِ الناس، وسيسحبه لبر الأمان؛ فـ (عمك الحاج قال فُضَّها)!! وهو ما يَعني أيضًا بقاءَ الستر، والسِّرُّ في النصيحة المخلصة لعمك الحاج!!

زر الذهاب إلى الأعلى