مقالات الرأى

امبنة شفيق تكتب: عاش حسين فهمي ويسقط الاستعمار

كنت لا ازال طالبة جامعية أدرس مادة الصحافة. وكان من عاداتنا كطلاب في قسم واحد ان نذهب لزيارة اي استاذ يمرض و يذهب الى مستشفى. وكانت الجامعة تتعاقد مع مستشفى فكتوريا حيث يذهب الاساتذة المرضى. وكانت مستشفى تقع في شارع عبد الخالق ثروت “المكان الحالي” لمستشفى النقل العام. فكانت تطل على مبنى نقابة الصحفيين. وبالصدفة الخالصة مرض احد اساتذتنا وذهبنا لزيارته في المستشفى فوجدت نفسي في غرفة تطل على الشارع وعلى مبني نقابة الصحفيين. واتذكر انه كان يوم جمعة وكان مبنى النقابة مملوء بالأفراد وكانوا يسيرون في جماعات ويحملون احد الاعضاء على اكتافهم ويهتفون ” عاش حسين فهمي ويسقط الاستعمار”.
شدتني المجموعات وكذلك الهتاف وكدت اقفز من شباك الغرفة لانضم الى هؤلاء البشر الصحفيين الذين ربحوا الإنتخابات ويحتفلون بانتصارهم “ضد الاستعمار” ، أو هكذا تصورت ولم اعرف ساعتها أن لى مستقبل في هذه النقابة واني سأقضي فيها زمن يمتد الى 28 عاما من عمري في خدمة زملاء نقابيين كعضو مجلس إدارة واني سأخوض عدة جولات انتخابية وسأفوز فيها وسوف اعيش في هذا المبنى وكأنه بيتي الثانى.
كما اني لم اكن اعرف لحظتها اني سألتقي بهذا الرجل الذي يدور على اكتاف زملائه ” الاستاذ حسين فهمي نقيب الصحفيين” وأن نتحول الى اصدقاء محبين لبعضنا الآخر في اطار حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي رغم فارق السن والمكانة بيننا.
المهم اني حاولت ان انسى هذا اليوم ولكنى لم استطع ، واستمرت ذكرياته تقفز إلى ذهني باستمرار وتصورت نفسي جزءا من هذا الكيان، من نقابة الصحفيين ، فذهبت الى المبنى وسألت عن احد المسئولين فدلوني على موظف لأستفسر منه عن عضوية هذا الكيان. وقابلت موظف داكن اللون اخبرني ان اول شروط العضوية ان اكون قد بلغت الواحد والعشرين من عمري. ويبدوا ان الرجل إكتشف اني صغيرة السن. وبالفعل كنت في التاسعة عشر من عمري.
يومها حزنت حزنا شديدا حتى اني لم اتذوق الطعام مما اقلق جدتي التي قالت لي بعد سماع قصتي “وماله يا بنتي بكرة الايام تجري وتتخرجى ، ساعتها ح تقدري تدخلي الحتة دى اللي إنتي حبتيها”.
بعدها تعودت على المرور على النقابة بين الحين والآخر لأطمئن على وجودها كمبنى واستمرت اعد الايام على اجتيازي سنوات الدراسة لأتخرج والتحق بنقابة الصحفيين لأهتف وراء حاملي المنتصر في الانتخابات” يسفط الاستعمار”.
ولكن حدث أني اتيحت لي فرصة الإلتحاق بأسرة تحرير مجلة الجيل الجديد “اثناء الدراسة” التي كانت تصدر من دار اخبار اليوم ويرأس تحريرها الاستاذ موسى صبري ، فبدأت اتعرف على شخصيات لم اكن اتصور اني اتعرف عليها واجلس معها في سني الصغير هذا ، منهم الاساتذة علي امين وعلي حمدي الجمال واحمد رجب وغرهم كثيرون. وبدأت احضر معهم اجتماعات مجلس التحرير واسمعهم يتناقشون ويقترحون موضوعات للتنفيذ.
في هذه الفترة عرفت ان الصحافة ليست فقط هتافات وانما مهنة وعمل كما عرفت المعنى الحقيقي للنقابة وانها ليست مجرد هتاف وانما هي عمل ولكن مختلف. تفتحت عيناي على امور لم اكن اعرفها وكان من الصعب التعرف عليها من الجامعة أو من الكتب المقررة علينا.
وشاءت الظروف ان أكون متواجدة في دار اخبار اليوم في يومين هامين للغاية. اولهما هو يوم 18 يونيه 1956 يوم جلاء القوات البريطانية عن مصر واليوم الثاني كان يوم 26 يوليو من نفس العام وهو يوم إعلان جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس، في اليومين “واستطيع ان اؤكد على ذلك بعد مرور كل هذه السنوات” احسست اني ولدت من جديد.. لقد غير الحدثان تفكيري وزاد تأثير حركة الجماهير المصرية وهتافاتها في الشارع وفي المقاهي “عاش جمال عبد الناصر”. وتغير كياني الفكري. ولم اعد تلك الطالبة الجامعية التي تنتظر التخرج لتلتحق بالنقابة ، وإنما اصبحت امينة شفيق الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"