الارض تتدهور هل من سفينة نوح تنقذ البشر؟
الربيع الصامت” هو كتاب كتبته راشيل كارسون عام 1962، ولعب دوراً رئيسياً في إطلاق حركة الحفاظ على البيئة الحديثة. يركز الكتاب على الآثار الدمارية للاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية والكيماويات الأخرى على البيئة وصحة الإنسان. حيث استخدمت كارسون وصفات قوية للعالم الطبيعي لنقل رسالتها وإلهام العمل. وفى هذا المقال اتحدث فيه عن فلسفة راشيل كارسون عندما كتبت هذا الكتاب.
فلسفة كتاب “الربيع الصامت” لراشيل كارسون تتمحور حول القلق والاحترام العميق للعالم الطبيعي وتوازنه الهش. كانت كارسون تعتقد أن الإنسان أصبح متركزًا جدًا على السيطرة والتلاعب بالطبيعة، غالبًا دون فهم تام لعواقب أفعاله. واعتبرت أن استخدام المبيدات الحشرية والكيماويات الأخرى ليس فقط امر يضر بالبيئة، ولكنه يضع صحة الإنسان في خطر، ايضا استندت فلسفة كارسون إلى فكرة أنه يجب أن نتعلم العيش في وئام مع الطبيعة بدلاً من محاولة السيطرة عليها. واعتبرت أن لابد من وجود مسؤولية لحماية العالم الطبيعي من اجل الأجيال القادمة، وهذا يتطلب تحولًا جوهريًا في الطريقة التي نفكر بها في علاقتنا بالبيئة. فبدلاً من النظر إلى الطبيعة على أنها شيء يجب السيطرة عليه واستغلاله، توجب أن ندرك أننا جزء من نظام بيئي أكبر وأن أفعالنا لها عواقب بعيدة المدى. لقد كانت فلسفة كارسون هي نداء للعمل من أجل انقاذ البيئة، وكانت تعتقد أن لدينا القدرة على إحداث تغيير إيجابي وأنه من مسؤوليتنا القيام بذلك. ومن خلال العمل معًا لحماية البيئة، يمكن ضمان مستقبل مستدام لأنفسنا وللكوكب.
في الفصل الأول من الكتاب بعنوان “عنوان المستقبل”، تحكي عن بلدة امريكية كانت متناغمة مع الطبيعة، فكانت المزارع مزدهرة والحقول والبساتين مليئة بالحياة. مع حقول الحبوب وسفوح التلال من البساتين انجرفت السحب البيضاء من الإزهار في الربيع فوق الحقول الخضراء. وعلى طول الطرق، أسعد الغار والويبرنوم والألدر والسراخس والزهور البرية عين المسافر خلال معظم العام. حتى في فصل الشتاء، كانت جوانب الطرق أماكن جميلة، حيث جاء عدد لا يحصى من الطيور لتتغذى على التوت وعلى رؤوس بذور الأعشاب المجففة التي ترتفع فوق الثلج. كان الريف، في الواقع، مشهورا بوفرة وتنوع حياة الطيور، وتتدفق الطيور المهاجرة في الربيع والخريف، حيث يسافر الناس من مسافات بعيدة لمراقبتهم. جاء آخرون لصيد الجداول، التي تدفقت صافية وباردة من التلال واحتوت على برك مظللة حيث يكمن سمك السلمون المرقط…!
وفجأة، يزحف جفاف غريب الى البلدة وبدأ كل شىء يتغير، فأنتشرت امراض غامضة بين الحيوانات والناس، أختفت الطيور ولم يعد بإمكان المزارعين تربية الحيوانات أو الزراعة. باتت طرق البلدة خالية من الحياة، وماتت الأنهار. غطت الارض بمسحوق أبيض، ولم يعد هناك ولادة حياة جديدة. كل هذا لم يكن بسبب عدو أو سحر، بل بسبب الناس أنفسهم. هذه قصة حكتها كارسون ليست عن بلدة محددة، ولكنها يمكن أن تحدث في أي مكان. وفي الواقع، فقد تعرضت العديد من المجتمعات الحقيقية لبعض هذه الكوارث. لقد تسللت آفة غريبة فوق المنطقة وبدأ كل شيء يتغير. استقرت بعض التعويذات الشريرة على المجتمع: اجتاحت الأمراض الغامضة قطعان الدجاج ؛ مرضت الماشية والأغنام ونفقت. في كل مكان انتشر ظل الموت. تحدث المزارعون عن الكثير من الأمراض بين عائلاتهم. في المدينة، أصبح الأطباء في حيرة أكثر فأكثر بسبب ظهور أنواع جديدة من المرض بين مرضاهم. وكان هناك العديد من الوفيات المفاجئة وغير المبررة، ليس فقط بين البالغين ولكن حتى بين الأطفال، الذين يصابون فجأة أثناء اللعب ويموتون في غضون ساعات قليلة…أين ذهبوا؟ ساد الصمت المدينة، وتحدث الكثير منهم، في حيرة واضطراب، كانت اماكن التغذية في الساحات الخلفية مهجورة، والطيور القليلة التي شوهدت في المكان تحتضر؛ وبعض ارتجفوا بعنف ولم يتمكنوا من الطيران. لقد كان الربيع بدون أصوات، ربيعا صامتا..! في الصباح الذي كان ينبض مع جوقة الفجر من الطيور والحمائم،وعشرات أصوات الطيور الأخرى، لم يكن هناك صوت الآن; فقط الصمت يكمن في الحقول والغابات والمستنقعات….! وفى المزارع كانت الدجاجات تحضن بيوضها، لكن لم تفقس الكتاكيت. اشتكى المزارعون من أنهم غير قادرين على تربية أي حيوان—كانت الفضلات صغيرة ونجا الصغار بضعة أيام فقط. كانت أشجار التفاح تتفتح ولكن لم يكن هناك نحل يتنقل بين الأزهار، لذلك لم يكن هناك تلقيح ولن تكون هناك ثمار.
تقول كارسون: هذه المدينة غير موجودة بالفعل، ولكن قد يكون لها بسهولة ألف نظير في أمريكا أو في أي مكان آخر في العالم. لا أعرف أي مجتمع عانى من كل المصائب التي أصفها. ومع ذلك، فإن كل واحدة من هذه الكوارث قد حدثت بالفعل في مكان ما، وقد عانت العديد من المجتمعات الحقيقية بالفعل من عدد كبير منها. وقد تسللت شبح قاتمة علينا دون أن يلاحظها أحد تقريبا، وهذه المأساة يتصور قد تصبح بسهولة واقعا صارخا ونحن جميعا يجب أن نعرف.
ــــــــ
استاذ الكيمياء بكلية العلوم جامعة القاهرة