مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: كايسيد..صناعة السلام في عالم متغير

تبقى قضية غياب السلام حول العالم، من بين أخطر القضايا التي تتماس مع مستقبل البشرية على كوكب الأرض، ولعله من غير تهوين أو تهويل، يمكننا القطع بأن أحوال السلام العالمي تعاني بشدة، ومخاطر الصدام واردة، مع الأخذ في عين الإعتبار أن هذه المرة، ربما لن تضحى المواجهات تقليدية، وإنما نووية ، ما يعني أن الخليقة عن بكرة أبيها مهددة بالفناء عوضا عن النماء .
هل من طريق لتتجنب الإنسانية هذا المستقبل القاتم في حاضرات أيامنا ؟
هذه القضية شغلت عقول القائمين على مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في لشبونة ” كايسيد “، والذي يتحضر اليوم لملتقى فكري ثقافي من الدرجة الأولى خلال منتصف الشهر القادم، عبر المنتدى العالمي الأول للمركز الذي بات يرسل أشعة من نور التصالح والتسامح، في أزمنة ضيق الصدور ، وأدلجة العقول .
” الحوار في سياق متحول : بناء التحالفات من أجل السلام في عالم سريع التغير “، هو عنوان منتدى كايسيد القادم ، والذي ينتظر أن يشارك فيه نخبة من كبار زعماء وقادة العالم الدينيين والسياسيين، ناهيك عن المشتغلين بشؤون الحوار كقارب للنجأة في زمن تفسح فيه الحروب والصراعات والإنقسامات الإجتماعية العميقة المجال للخوف وإنعدام الثقة وخطابات الكراهية والتعصب .
من هنا يكتسب منتدى كايسيد معنى أكبر ، مع التركيز على قوة الحوار بين الثقافات والأديان، ويظهر الحوار كمفتاح لتحديد القواعد المشتركة حول الدفاع عن الكرامة وحقوق الإنسان بإعتبارها ركائز المجتمعات المسالمة.
على عتبات منتدى كايسيد القادم يعن لنا أن نتساءل :”هل بات الحوارُ بين الأديان والثقافات والحضارات ضرورةً حتميّة أم رفاهية يمكن الاستغناء عنها ساعةَ نَشاءُ، سِيّما في منطقة الشرق الأوسط تلك الملتهبة منذ عقودٍ سِتّة؟
قبل الجواب يبقى هناك تساؤل أهمّ: ما هو البديل عن الحوار؟ وهل الخصام والحروب والقلاقل والاضطرابات هي الحل والبديل الوحيد المتوافر أمامنا؟
لعله يلزمنا أن نوضح بادئ بدء أنّ منهج الحوار لم يَعُدْ ضرورة عالمية أو شرق أوسطية فحسب، بل بات ضرورة كونيّة، ذلك أن منهج الحوار أضحى مطلبًا إنسانيًّا وحضاريًّا في عالم سقطت فيه الحواجز وتشابكت فيه المصالح وزادت احتياجات البشر لبعضهم البعض، وأصبح الشأن الداخلي خارجيًّا بطريقة أو بأخرى، والخارجي تحَوَّلَ ليؤثّر على سير الحياة الداخلية، وباتت فكرة الاستغناء عن الآخر غير ممكنة في عالم تشابكت فيه الخيوط وتداخلت الخطوط. وعليه، فإنسان القرن الحادي والعشرين لا يجد أمامه سوى منهج من اثنين، فأمّا المنهج الحواري التفاهمي العقلاني الذي يتجنب الصدام ويحاول توسيع مساحات التفاهم بالتركيز على الإيجابيات المتحققة وإضاءة أوجه الشراكة النافعة بين الأديان والثقافات والحضارات وتقليص أوجه الخلافات والتعارض. وأمّا المنهج الثاني فهو التصادمي التحريضي الاتهامي العدائي المعتمد على توظيف الدين في الصراعات السياسية وإحياء النزاعات التعصبية واستدعاء الروح العدائية التاريخية وتصور الآخر على أنه العدو المتآمر أبدًا ودومًا وعليه تجب كراهيته وعداوته.
درج الناس على القول :” أن البشر أعداء ما يعرفون “، ومن هنا وعبر مشاركات عقلانية ووجدانية، يتيح كايسيد فرصة لقاء الأخر المغاير عقيدة وتوجها إيمانيا، ثقافة وجذورا فكريا، لونا وجنسا ، ومناطقيا من كافة أركان الكرة الأرضية .
في منتدى كايسيد ، سوف يجلس صناع القرار السياسي والزعماء الدينيون، والمنظمات الدولية وممثلو المجتمع المدني على الطاولة للسعي لبناء الثقة وتوسيع الرؤى وخلق الفرص حتى يكون من الممكن تجاوز مستوى النوايا والتحرك نحو الملموس ، والعمل المتضافر ، من خلال تطوير المبادرات المتعددة الأطراف لبناء التماسك الإجتماعي وحل النزاعات .
هل للحوار قوة يمكنها أن تبدل الأوضاع وتغير الطباع ؟
حكما إن ذلك كذلك، وقد بلور كايسيد منذ تاسيسه عام 2012 ، رؤية إنسانوية خلاقة، جعل من قبول الأخر وفتح مسارات للحوار الخلاق مع المختلف ، حجر زاوية، وطوال أكثر من عقد عمل كايسيد على تعزيز قيم الإحترام والتسامح والحوار بين الأديان ، وكذا التعاون بين الأفراد من جميع الملل والنحل، وتعميق مبادئ العدالة والسلام والسعي لوضع حد للإستخدام التعسفي للدين لتبرير القمع والعنف والصراع .
مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” كايسيد”، منظمة حكومية دولية في وضع فريد ، ذلك أنها تجمع بين أتباع التقاليد الدينية والعقائدية المختلفة ، والزعماء الدينيين وصانعي السياسات وكذلك المجتمع المدني .
في هذا العمل الحواري الكبير القادم، يسخر كايسيد القوة التحويلية للحوار بين الأديان والثقافات كأدوات فعالة لتعزيز العدالة التصالحية والسلام الإجتماعي .
أنفع وأرفع ما يمكن أن يصف حال ومآل القائمين على كايسيد، هو ما قاله المفكر العربي الكبير، عبد الرحمن الكواكبي:” رجال يعملون بحزم ويفكرون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون”.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"