مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب : لماذا يريدون إفشال مصر 5-6

” في مقدمة شبابي أقف أمام رجل عجوز وكأنه كبير كهنة معبد آمون وهو يتلقاني ويطلب مني أن أردد وراءه بيعة خاصة له وكأنه يمثل الله على الأرض والمفوض منه في إنشاء جيشه المقدس ، ثم أراني وأنا أجلس مع مجموعة تماثلني تركت مثلي ظلاما طلمسيا يتغشى عقولها عندما وضعت بإرادتها ستائر كثيفة سوداء تحجب النور عنها ، ولتمام إعمال الطلمسية وبثها في نفوسنا سمعت كبير الكهنة وهو يقول لنا : إذا دخلتم وادينا المقدس فيجب أن تخلعوا نعالكم وعقولكم لم ننتبه إلى أن الكاهن ساوى بين العقل والنعل  حتى قيض الله لي رجلا قال لي عاتبا : لماذا خلعت عقلك ؟ فقلت له: ونعلي أيضا فقال ألم تقرأ ما قاله الله في القرآن عن العقل، ألا تعلم أن العقل هو مناط التكليف، وأن العقل هو أداة التفكير التي طلب الله أن نستعملها ولا نعطلها فقال: لنا ثلاثة عشر مرة ” أفلا تعقلون ” ألم تعلم أن التفكير فريضة من الفرائض الإنسانية التي جعل الله فطرتها فينا، ألم تعلم أنه وصل إلينا من أنوار الأنبياء السابقين على نبينا القول الأشهر ” شعب لا يعقل يصرع ” وقولهم الحكيم ” إذا دخلت الحكمة قلبك، فالعقل يحفظك، والفهم ينصرك ” فلماذا تجعل غيرك يفكر لك؟ ولماذا لم تجعل عقلك يحفظك من الأكاذيب؟ ولما قلت له: لقد قالوا لنا إن الدين لا يعرف العقل فكان يقول: إذا كان الله سبحانه طلب منا أن نعرفه بالعقل، أفيكون قد طلب منا ألا نفهم دينه بالعقل وأعاد لي هذا الرجل عقلي مرة أخرى وأزاح عني غيوما كثيفة كانت تحجب الرؤية عني، ودفعني إلى إعمال عقلي وتنويع مصادر معرفتي ” (من كتاب سر المعبد للأستاذ ثروت الخرباوي، الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين – الجزء الثاني)

مرت جماعة الإخوان بمراحل مختلفة منذ نشأتها حتى الآن فهناك المرحلة التي بدأت منذ نشأة الجماعة على يد مؤسسها حسن البنا في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين، وانتهت بإعلان تحول الجماعة للعمل السياسي عام 1938 وتأسيسها للنظام الخاص، ومرحلة ثانية منذ ذلك التاريخ حتى النكبة الأولى للجماعة عام 1954، وامتدت المرحلة الثالثة من العام 1954 حتى بداية ما أُطلق عليه تأسيس الجماعة الثاني منتصف سبعينيات القرن الماضي، واستمرت المرحلة الرابعة من ذلك التاريخ حتى وصول الجماعة للسلطة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولم تستمر سوى للعام 2013 بعد نكبة الجماعة الثانية بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، أما المرحلة الخامسة فهي من ذلك التاريخ الأخير حتى الآن.

 ولكن دعونا نتوقف عند فترة زمنية من عمر وتاريخ الجماعة وهي الفترة من عام 1989 ومنذ بداية هذا العام بدأ نجم الجماعة في الصعود ليس في مصر فقط ولكن في العالم كله ، وكان هذا بداية عهد حامد أبو النصر المرشد الرابع للجماعة وفي هذا العام مرت ثماني سنوات على حكم مبارك لمصر ، ثماني سنوات والإخوان لهم مطلق الحرية في الحركة في النقابات والأندية والمؤسسات والهيئات والوزارات وتأكيد التحكم في مفاصل الدولة المصرية ، ثماني سنوات والإخوان يشيدون مملكتهم الخاصة على مهل وبدقة وإحكام شديد ، واستكمل الإخوان بعد ذلك بناء منظومة محكمة من المصالح والعلاقات المتشابكة والمعقدة والمتداخلة في مراكز التأثير والنفوذ بمراحله المختلفة وأشكاله المتعددة وخاصة في مجال المال والأعمال والاقتصاد والتقت تلك المصالح والعلاقات مع حكم مبارك ورجاله واستمرت الأحوال السياسية في البلاد في حالة من التردي والفساد السياسي وتفريغ الحياة السياسية حتى اطمئن نظام مبارك إلى استقرار الأوضاع وتمرير مشروع التوريث والذي وافقت عليه جماعة الإخوان على لسان مرشدها محمد بديع حتى قامت ثورة يناير 2011 والتي استطاع الإخوان اقتناص جوائزها كاملة حتى تكللت تلك الجوائز بالجائزة الكبرى وهي وصولهم إلى الحكم بعد رحلة طويلة من المسيرة السياسية المتناقضة والمعقدة واستمر الحال حتى قامت ثورة 30 يونيو والتي تم من خلالها إعادة تصحيح الأوضاع في منظومة الحكم في مصر ولكن على الرغم من ذلك لا يمكن باي حال من الأحوال نسيان الفترات التاريخية الطويلة من وجود جماعة الإخوان في الحياة المصرية وتغلغلها وتواجدها في مفاصل الدولة ولا في اقتحام تفاصيل المجتمع المصري والتأثير عليه خاصة في مجتمعات القرى والأرياف وتأثيرها الكبير والواضح في توجيه الراي العام اعتمادا منها على التحكم التام والسيطرة على العقل الجمعي في المجتمعات متوسطة التعليم والثقافة واختزال العلاقة بين المواطن والوطن في الطعام والشراب والغلاء فقط وصرف النظر والتشويش التام على كل إنجازات الجمهورية الجديدة اعتمادا على فراغ الساحة الإعلامية من المنافس الحكومي الفاهم والمثقف والواعي والذي يستطيع تقديم مواد إعلامية واضحة وصريحة تجهض مخططات ورسائل الجماعة في التوجيه والتحكم في العقل الجمعي داخل المجتمع المصري أضف إلى ذلك تحكم الجماعة في  الكثير من المنصات الإعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر والتأثير على مراحل صدور قرار التغيير اعتمادا على قوتهم ونفوذهم ومصالحهم وعلاقاتهم المتشابكة مع الكثيرين ممن تلتقي مصالحهم وأهدافهم مع مصالح وأهداف الجماعة في تعطيل مسيرة الجمهورية الجديدة وإفشالها ومنعها من تحقيق خططها وأهدافها في الوصول بالدولة المصرية إلى أفاق واسعة وكبيرة من المشروعات والإنجازات التي من شأنها أن تغير من عقلية وثقافة وحياة المواطن المصري وتنقله إلى مرحلة جديدة من العلم والثقافة والتنمية الاقتصادية لأن كل هذه المستويات من العلم والثقافة والتنمية الاقتصادية تمثل بيئة مضادة لنمو وازدهار الفكر الإخواني وما اشتق منه من جماعات إسلامية مختلفة الأسماء واحدة الجذور والأصل تقوم فلسفة انتشار أفكارها على خلق بيئات جاهلة متخلفة جامدة الفكر سطحية الثقافة ظلامية الرؤى إذ تساوي هذه الجماعة في فلسفتها ونهجها بين النعل والعقل ولا قيمة عندهم للعقل وتماشيا مع هذا المبدأ أسست جماعة الإخوان نهجها الأساسي على مبدأ السمع والطاعة والطاعة داخل الجماعة طاعة عمياء مطلقة غير مبصرة ووضعت الجماعة فكرة السمع والطاعة كشرط من شروط عضوية التنظيم وطالبت أعضاءها بأن يسمعوا ويطيعوا كل ما تقرره الجماعة في العسر واليسر والمنشط والمكره أي يسمعوا ويطيعوا التنظيم حتى فيما يكرهونه وهي صورة من صور إذعان وخضوع العضو وتسليمه لعقله وحياته وحتى دينه لقادته داخل الجماعة ولا يمكن الجدال والنقاش أو حتى رفض التكليفات الموكلة إليه وتجلى طغيان السمع والطاعة عندهم في أن يكون عضو الجماعة عند مسؤوله كالميت بين يدي مغسله وقد قام قادة الإخوان بدراسة الفرق والمذاهب الإسلامية عبر مراحل التاريخ الإسلامي ووقفوا منبهرين أمام فرقة الحشاشين في تطبيق مبدأ السمع والطاعة وكان الانبهار منهم في أن أفراد الحشاشين ينفذون أوامر السمع والطاعة حتى وإن طلب منهم قتل أنفسهم وهذه هي الجماعات التي درسها حسن البنا وقادة الجماعة الأوائل واستمدوا منهم مبادئهم وفلسفتهم وصنعوا منها مبادئ ومنهج الجماعة ولذلك فإن أكبر جريمة ارتكبتها جماعة الإخوان في حق أعضائها والمنتمين إليها هي تعطيل العقل ومنعه من التفكير والحوار والنقاش والقبول والرفض وعلى ذلك سارت الجماعة طوال تاريخها وهي تحصن وتمنع أعضائها من إعمال الفكر وتشغيل العقل وعودته إلى الحياة مرة أخرى أو محاولة إشعال مشاعل النور والفكر والثقافة بينهم وبين أعضاء جماعتهم أو حتى في المجتمع ككل وعلى ذلك فحينما تولى الدكتور طارق شوقي وزير التعليم السابق مسؤولية وزارة التربية والتعليم وقدمت مصر من خلاله مشروع التعليم المصري العالمي والذي يقوم على إعمال العقل وإطلاق حرية التفكير والخيال والإبداع وتعدد الثقافات ومناقشة الأفكار وتحليلها واستنباط النتائج وتحرير العقل وإطلاق حرية التفكير والإبداع لدى الشباب المصري وبمجرد أن أنطلق مشروع التعليم المصري الجديد حتى أعطت الجماعة الأوامر لخلاياها النائمة في وزارة التربية والتعليم وفي المدارس وكتائبها الالكترونية بشن هجوم ضاري وعنيف ومتواصل على مشروع التعليم المصري وعلى الدكتور طارق شوقي خبير التعليم العالمي ورصدت في مقابل حملات الهجوم والنقد وإفشال مشروع التعليم المصري الميزانيات الضخمة في الداخل والخارج وسيطرت في ذلك تماما على العقل الجمعي للمواطن المصري فأصبح الجميع يهاجم وينقد مشروع التعليم والدكتور طارق شوقي بدون تخصص وفهم وتلاقت مصالح وأهداف الجماعة في هدم مشروع التعليم المصري الجديد مع مصالح وأهداف عصابات ومافيا التعليم في مصر حتى نجحوا في إقالة الدكتور طارق شوقي والقضاء التام على مشروع التعليم المصري العالمي والعودة بالتعليم في مصر إلى سنوات الظلام والبيئات الحاضنة لأفكارهم هذه الأفكار التي لا يمكن أن تحيا أو تستمر في النور ولا يمكن أن تستمر وتعيش في أجواء العلم والفكر والعقل والثقافة والفن والإبداع لذلك ما يشغل هذه الجماعات المظلمة هو أن تعود الجمهورية الجديدة إلى تحقيق وتنفيذ مشروعاتها في تطوير التعليم أو إحداث نهضة ثقافية وحضارية تعيد مصر إلى ريادتها وقيادتها مرة أخرى وتعمل على تحرير العقل المصري وإطلاق حرية الفكر والإبداع مرة أخرى ولذلك تسعى وتعمل جاهدة على تعطيل ومنع وإفشال كل مشروعات الجمهورية الجديدة من تعليم وثقافة وفن وإبداع ووعي ورقي بالمجتمع حتى تضمن بقائها واستمرارها وسيطرتها على روافد المجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى