ثقافة وابداع

 جعفر العقيلي يكتب عن «القابض على جمر القصة»

0:00

 يوسف ضمرة القابض على جمر القصة .. أحد آبائي الكبار في كتابة القصة بعيدا عن علاقتي الشخصية به، صديقا منذ عرفته قبل ربع قرن، وبعيدا عن عملنا معا في تيار القدس الثقافي، وفي الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين في أكثر من دورة، وفي عملنا معاً على غير مشروع ثقافي، يمكنني القول بثقة إنه قاص حرّيف، مجدّد، لا يتوقف عن التجريب والإدهاش، ولطالما تعاملت معه ورأيته واحدا من أبطال القصص، تلك التي يكتبها هو أو يكتبها سواه.

شخصيته والكاريزما التي يمتلكها يؤهلانه للعب دور البطولة، حتى إنني كلما ذُكر أمامي موضوع طقوس الكتابة والشخصيات المركبة وكيفية تحويل الشخص الواقعي إلى بطل في القصة أو الحدث الواقعي إلى حدث فني، تلوح في ذاكرتي مشهدية  بهية تؤطر يوسف وهو يجلس في حديقة بيته القديم في اللويبدة وحيدا لكنه مكتمل بذاته.. يشرب الشاي ويدخن بنهم ويتأمل الحركة التي تبدد السكون من حوله وصولا إلى الشارع الهادئ المظلل بالأشجار على جانبيه.

كنت أكرر هذا التصور أمام صديقي القاص والروائي الراحل عدي مدانات أثناء ورشاتنا وحواراتنا وتماريننا عن فن كتابة القصة فيهز رأسه بابتسامة محببة دليلَ اتفاقه معي.

ظل يوسف يقبض على جمر القصة، في وقت استهوى الكثيرين من كتابها فيه طول الرواية وذيوعها بدفع من ماكينة الجوائز اللعينة التي أصبحت تُمنح لمن هبّ ودبّ محولةً وجهة القراءة والذائقة في كثير من الأحيان إلى مسار غير محمود.

يوسف صدرت له قبل أزيد من عام مجموعة قصصية لافتة بعنوان “فالس الغراب”. قرأتها ثلاثا وما ارتويت.. تتسم قصصها (كما وُضع على غلافها الأخير) بلغتها المرنة، القادرة على الوصل إنْ شاءت، والفصل متى شاءت، بين الحقيقة والخيال. وتنتظمُ حبّاتها حول خيط شفّاف لا يُستطاعُ بلوغه إلّا على أجنحة الفانتازيا.

هذه الفانتازيا تخرج من رحم الواقع بعد أن تفجّره في اللحظة الأخيرة، فتنقل القارئ من مستوًى وجوديٍّ إلى مستوًى وجوديٍّ آخر كلمح البصر. ولا شيء مستحيلٌ هنا ما دمنا نستطيع أن نخاطب مستويات أخرى داخل الوجود، وما دمنا نحن في مستوًى من هذه المستويات يصلح لأن يكون هو بذاته عجيبةً من عجائب الوجود.

يوسف ضمرة في قصصه الأخيرة يكتب ما هو مكتوبٌ في مكان ما؛ هكذا يخبر عن نفسه في إحدى قصصه. وأولئك الذين يؤمنون بهذا الــ”مكان ما”، وحدهم الذين يصلحون للثورة على الرداءة وعلى تهميش روح الإنسان.

تحية إلى يوسف وقد وصلت “فالس الغراب” إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية.

 

  • • يوسف ضمرة القابض على جمر القصة بقلم الأديب الأردني جعفر العقيلي

 



زر الذهاب إلى الأعلى