قرأت لك

قراءة متأنية فى كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حُزين (4)

قراءة وتحليل : د.حامد عبد الرحيم عيد

تحدثت فى المقالات السابقة عن الثلاثة فصول الاولى من كتاب “مستقبل الثقافة فى مصر العربية” للدكتور سليمان حُزين وكانت حول “جذور الثقافة فى مصر العربية”، “ثقافة مصر فى مسيرتها مع الحضارة والتاريخ”، و”ثقافة مصر العربية المعاصرة والمؤثرات الداخلية والخارجية بها” وفى هذا المقال سيتركز حديثنا عن الفصل الرابع الذى جاء بعنوان “المتغيرات المعاصرة فى الغرب والشرق وفى العالم العربى” وكيف كان صداها المرتقب فى الفكر والثقافة.
بدأ الفصل بذكر المتغيرات العالمية التى جرت فى الفكر السياسى ومجالات الاقتصاد والسياسة والتى شملت ما حدث فى غرب اوربا وشرقها والعالم العربى، بعد حربين عالميتين ميزتا القرن العشرين عن غيره من القرون السابقة وتداخلت المصالح الاقتصادية وتشابكت ونشأ التنازع حول أرض العرب وثرواتهم البترولية. فى ذلك الوقت اشتد التشاحن بين الوطنيات الاوربية الغربية، أنتهى بتصفيته ومحاولة تكوين وحدة اوربية أدى الى قيام كيان قوى بات ينافس كيان امريكا والاتحاد السوفيتى طمعا فى ان تصبح قوة عالمية ثالثة، فى نفس الوقت كان شرق اوربا يبحث له عن مكان بعيد عن الايدولوجية الماركسية لينتقل من خلال الاصلاح وحركة “البريسترويكا” لى حالة توازن بين الملكية العامة والملكية الخاصة، حيث هبت رياح التغيير وتحررت دول اوربا الشرقية من تبعيتها لتصبح دول مستقلة. وكان أن انتقلت دول المعسكرين الغربى والشرقى الى فترة الحرب الباردة وفيها جرت المعارك خارج حدودهم مثل الحرب الكورية وحرب فيتنام وحرب أفغانستان اوحتى الحروب الاسرائيلية على العالم العربى. وعن منطقتنا، الشرق الاوسط، فقد كانت موضع تنافس بين المعسكرين فتذبذبت المصالح وتضاربت،وترتب على كل تلك التغييرات التى شملت الاقتصاد والسياسة بل ايضا الفكر والثقافة أن دخلنا الى عصر حضارى جديد وشهدت السنوات الاخيرة من القرن العشرين تاريخا جديدا للانسانية.
وهنا يذكر د.سليمان حزين الى أن هذا التحول العالمى يقتضى من المجالس القومية المتخصصة فى مصر أن تتابع ذلك وتعمل على تجديد الفكر الاقتصادى، السياسى والثقافى وخص بالذكر ما يتعلق بالتعليم والبحث العلمى ووجوب التخطيط بعيد المدى من أجل تكوين جيل جديد يحمل القيادة فى مصر، وأن ذلك له مقتضياته حيث أن العمل فى ذلك المجال يتصل اشد اتصال بآثار التحولات العالمية فى مجالات الفكر والثقافة والتربية والتعليم فهو مفتاح اى تغيير مستقبلى.
لقد بات العالم العربى على مفترق الطرق والاتجاهات وهذا يفرض على أهل الفكر والعلم والثقافة فى مصر ان يحددوا المواقف ويقترحون السبل فى مواجهة ذلك وهذا مسئولية عظيمة، وهنا يحدد د.حزين عدد من التوصيات يختتم بها ذلك الفصل منها توصيات تتصل بواجبات أهل الفكر والعلم والثقافة فى مصر بالنسبة للاتجاهات الفكرية العالمية المعاصرة وما يواكبها من رياح التغيير حيث تتطلب دراسة متعمقة تقوم بها الهيئات العلمية المتخصصة بغرض الالمام وادراك مفاهيم هذا التغيير والذى شمل التغيير الايدولوجى والمذاهب الفكرية كما ينبغى ترسيخ بناء الشخصية العربية على اساس الحرية والديمقراطية السليمة ودفعها لفهم مختلف التغيرات بدون التخلى عن الدور الثقافى من أجل تضييق شقة التخلف الحضارى بين عوالمنا التى تحيط بنا، وثانية تلك التوصيات تتصل بالعملية التعليمية فى مختلف مراحل التعليم العام والتعليم الجامعى والبحث العلمى فلا تزال معاهدنا التعليمية لا تعنى بمرحلة التحول والتغير التاريخى الذى يواجه العالم المعاصر، مع ضرورة العناية بالنشء المصرى وتنويره والاهتمام بتكوينه من خلال برامج ثقافية واعلامية تجهزها وتشرف عليها الدولة بدون أى عوامل ومؤثرات خارجية غير منضبطة. وبالنسبة للتعليم العالى فيتوجب على كلياته ومعاهده دراسة تلك التحولات وتوجيه الابحاث العلمية لدراستها بعناية ودعم التوعية بها واضافة برامج تثقيفية يتم نشرها بين جموع الطلاب، وثالثة تلك التوصيات تتصل بتمويل العملية التعليمية فى مصر ثم بالرأى السياسى كأسلوب عمل للدولة تمارس به دورها الريادى فالتعليم عملية خدمية واستثمارية معا ويتوجب اعادة النظر فى طرق تمويل التعليم والبحث العلمى ومعالجة ضوابط تطبيق المجانية حتى لا يتم اهدار مبدأ العدالة فى تحقيق الفرص بين ابناء الجيل الجديد وعلى الدولة أيضا ان تتابع مسيرتها الرسمية فى خدمة الامة العربية ودفع التعاون والتكامل الصحيح من اجل بناء النهضة العربية فى مجالات الفكر والعلم والتعليم والثقافة والبحث العلمى.
بعد تلك القراءة الهادئة لما سطره د.سليمان حزين فى هذا الفصل أكاد أن أجزم بأنه كان سابقا لعصره ومستشرفا للمستقبل قبل أن يأتى فقد تحدث فى أمور ما زالت تمثل لنا اليوم الشغل الشاغل وما زلنا لم نبرح مواقعنا فى السعى أن نحقق ما حلم به استاذنا…!

———

استاذ بعلوم القاهرة
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى