محمد العسيرى يكتب: مش كل البشر فرحانين.
وفيما كان ميسي يترجل ليمسك باعز احلامه… وانظار العالم اجمع تتشعلق بالشاشات تتابع فرحة هذا اللاعب العجوز وهويصعد سلم الانتصار… قال المذيع العربي بحماس وتهدج… الارجنتين في حاجه الي السعاده… ولم يكمل جملته لكن الملايين في العالم ومنهم نحن في عالمنا العربي اكملنا… واحنا كمان…
….
لم تكن الارجنتين وحدها التي تعاني منذ سنوات من ازمات اقتصاديه طاحنه جعلتها مثلنا فريسه للبنوك الدوليه وصندوق النقد… لم تكن الارجنتين وحدها التي تعاني من بطاله شديده بين سكانها… الارقام لا تكذب… تكذب نشرات الاخبار دوما… لكن الارقام لا تكذب… نحن نعيش ازمة كساد كبري لم تحدث منذ انتهت الحرب العالميه الثانيه مما يجعلنا نعيش حرب اقتصاديه ثالثه بامتياز..
…
في هذه الاجواء يشعر الناس انهم حزاني… يهجرون القراءه والسمع والشوف والحركه… فمن ذا الذي يستطعم الموسيقي وهوجوعان.. الجوعي لا يعزفون الموسيقي… المرضي لايرقصون الا من الالم.. لهذا يتلكك العالم علي اي مناسبه او فرصه للفرح ولو من بعيد… ربما لهذا السبب لم يكن احدنا يريد لكاس العالم ان ينتهي… لم تكن مجرد لعبه.. كانت حربا من نوع مختلف… مطارده جديده بين العالم والحزن والاكتئاب…
……
الارقام وحدها تشير الي ما يفعله الفقر بالبشر… كيف تدفع الحاجه الافراد الي الاكتفاء… محاولة الاكتفاء بانفسهم… الكثيرون لا يستطيعون الحياه بمفردهم والاحتماء بذواتهم فيقررون مغادرة العالم ناقمين علي دنيا لم تستوعب حاجاتهم فينتحرون..
مراجعة حالات الانتحار في عالمنا العربي في السنوات الاخيره تكشف عما هو اخطر من ذلك… لم يعد المال في حد ذاته هو اللعنه التي تطاردنا… لكن الحياه الاستهلاكيه بتفاصيلها المرعبه هي اكثر ما يشقينا الان.. وعدم القدره علي التعامل مع اسعار ما نستهلكه من ناحيه وعدم القدره علي هجره… يدفع الكثيرين الي عدوانيه تبدو غير مبرره…
…
في هذا السياق تبدو دعوات البعض بالتقشف نكته.. وبالعوده الي ما كنا نستهلكه قبل عشرين سنه حلما… لم يكن العالم غنيا.. لكنه كان يستطيع توفير احتياجاته الاساسيه… اليوم لا يستطيع رجل ريفي في قريتي ف الصعيد الاستغناء عن الانترنت مثلا… هل يستطيع توفير البنزين والعوده لاستخدام الحمير والجمال في مواصلاته… هل يستطيع اجبار اطفاله علي نزع فيشة الراوتر وترك تليفوناتهم المحموله… هل يستطيع اغلاق محلات الكنتاكي والهودت دوج… هل يستطيع اجبار زوجته علي العوده الي خبيز الفرن… هل يستطيع الغاء بند الذهاب الي الاطباء واااكتفاء بالوصفات البلديه للعلاج… قطعا لن يستطيع… ولانه يعرف انه عاجز عن ملاحقة هذا الاسعار المجنونه فهو يحزن…. ويحزن.. ويحزن…
ليست الارجنتين وحدها التي تحتاج الي الفرح… احنا كمان محتاجين نفرح…. لكن هذا الفرح الذي يعتمد علي اقدام ميسي ورفاقه موقت… فرح لا يدوم… ينتهي بعد الاستديو التحليلي مباشرة… نحن في حاجه الي فرح مختلف لن ياتي بدون عمل… بدون انتاج.. بدون تغيير عاداتنا وافكارنا…
فنحن الان علي مفترق طرق كما قال عمنا صلاح جاهين منذ سنوات… وقتها سال شاعرنا الفيلسوف… ايه العمل في الوقت ده ياصديق… لكن احدا لم يجب… كان شاعرنا حالما ينتظر شمس الاخلام لتشق الغمام الغميق… لكن الاصدقاء تفرقوا… وكل واحد قفل بابه عليه… افتحوا البيبان… فلاشمس ستمر والابواب مغلقه ولافرح بدون ان نعمل معا….