حازم البهواشي يكتب: معشرَ القُرعان لكمُ الأمان!!
(البَلاوَى) جمع (بَلْوَى)، وهي الكارثة أو المصيبة، ومصيبة (قناوي) أنه لم يُصدق يومًا أن العبيدَ حكموا، وأن حكمَهم استمر أكثرَ من قرنين ونصف القرن!! فكان عدمُ تصديقه لواقعٍ حدث بالفعل بلوى!!
فزِع (قناوي) حين علِم أن لقبَ (الألفي) في آخر اسمه يعود إلى الأمير (قلاوون) الذي عُرف بـ (الألفي) لأنه بيع بألف دينار!! فكان فزعُه من النداء عليه (قناوي الألفي) بلوى أخرى تُذكِّرُه بأصلٍ يشعرُ معه بالامتهان، حتى وإن كان طيِّبًا!! أزعجَ الحاضر (قناوي)، كما أزعجه التاريخ!! قيل لـ (قناوي) إن عهد السلطان (الناصر محمد بن قلاوون) كان أكثرَ العصور في زمن المماليك استقرارًا ورُقيًّا وازدهارًا، وأُلغيت فيه العديدُ من الضرائب، لكنه لم يكن يرى في المماليك جميعًا إلا عبيدًا استقدمهم الأيوبيون، وشيئًا فشيئًا زاد نفوذُهم حتى استولَوا على السلطة عام 1250م، وبعد نحو قرنين بدأت دولةُ المماليك تفقد سيطرتَها على النشاطات التجارية، فأخذت الحالةُ الاقتصاديةُ للدولة تتدهور!!
كان والد (قناوي) يحكي له ما أخبره به جَدُّه عَلَّه يَخرُجُ مما هو فيه، إذ أخبره جَدُّه عن السلطان (الصالح أيوب) الذي كان يجلس معهم يأكل ويشرب مما يأكلون ويشربون، ويَطْمَئِنُّ على أماكنِ راحتِهم، ويُحادثهم مُتبسطًا، يَفرح لفرحهم ويتألم لألمهم، فكانوا يثقون به، إذا أمرهم استجابوا سريعًا، وإذا كلفهم تسابقوا لتنفيذ أمره، إنه لم يعش منفصلًا عنهم، يتلذذ وهم يكدحون، يتمتع وهم يعانون، وإلا فقدوا انتماءهم ليس له فقط، بل لأوطانهم أيضًا!!
أضيفت بلوى أخرى لما أحدثه (قناوي) في نفسه، هو أنه بسبب هذا الموقف الذي أخذه من العبيد الذين أصبحوا حُكَّامًا لم يعد يعترف لهم بإنجاز، ووضعَ البيضَ كله في سلةٍ واحدة، فضاق أُفقه!!وكلما حدَّثه والده، يرُدُّ عليه مُعترضًا، متسائلًا: ماذا تعني ضريبة حماية المراكب التي كانت تُجبى من كل راكب زيادةً على أجر الرحلة؟!! ولماذا كان متجرُ السلطان المملوكي الچركسي الأشرف برسباي (وتعني الأمير الفهد)، هو الأوحد الذي يُوَرِّدُ السِّلعَ إلى التُّجار؟!! ولماذا في عهد هذا السلطان فُرضت نقودُ جباية على مَن كان أصلع أو أجلح (ليس له شعر على جانبي رأسه)، حتى ضَجَّ الصُّلعان وتوسط كبارُ الأمراء لدى (برسباي) لإيقاف هذه المهزلة، فنودي في القاهرة: معشرَ القُرعان لكمُ الأمان!!