محمود مطر يكتب : القلب قبل العقل أحيانًا
انتهى مولد المونديال ولم تنته الدروس التي يمكن أن نخرج بها من تلك البطولة التي شهدت دراما شديدة التشويق والإثارة والمتعة ..دراما تقول لنا أن كرة القدم ليست مجرد لعبة يتبارى خلالها اللاعبون والمدربون من أجل الفوز .. وملعبها ليس ميدانا للمنافسة فقط ..لكن هذه اللعبة الممتعة تستنطق لدى مشجعيها معاني ومشاعر ومفردات إنسانية كثيرة ومتباينة ..في مباراة نهائي البطولة العالمية الأهم والأشهر التي أقيمت بين الارجنتين وفرنسا بلغت المنافسة وبلغ الصراع في ساحة الملعب ذروته .. ولم يستطع اى من خبراء اللعبة
أن يتنبا على وجه القطع واليقين بالفريق الفائز..ووضع كل خبير أو مدرب أو لاعب أو حتى مشجع عادي مقاييسه الخاصة التي بنى عليها توقعه بمن سيكون الفائز بالكأس الذهبية ..هناك من رشح فرنسا بعقله لانها تملك اللاعبين الأكثر قوة وسرعة والفريق الاكثر انسجاما وتناغما ..وهناك من رشح الارجنتين بقلبه لأن المنتخب الأرجنتيني يضم في صفوفه ميسي ..امهر وافضل لاعب في العالم..ساحر الكرة واسطورتها ..هؤلاء رشحوا الارجنتين بقلوبهم لأن المنطق يقول إنه من الصعب جدا أن يجلب لاعب واحد مهما كان استثنائيا الفوز والنصر لفريقه مالم يكن بجواره لاعبون مميزون لديهم إمكانيات واضحة في عالم الساحرة المستديرة وهوما لم يكن متوفرا بشكل كاف في منتخب الارجنتين فمستوى أغلب اللاعبين ليس متميزا ولا يشي بمواهب جيدة ولا يلعبون في أندية كبرى ..
وفقط امتلكوا الروح والرغبة في الفوز والكفاح من أجل أن يسعدوا رفيقهم وقائدهم ميسي ..وحين بدأت المباراة بدا واضحا ولمدة ثمانين دقيقة أن من رشحتهم القلوب سينتصرون بالعزم والإصرار وبمهارة مبسي ثم في اخر عشرة دقائق صار من الواضح أن من رشحتهم العقول سينتصرون لامحالة بعد أن عادلوا النتيجة في اقل من دقيقتين
حتى حانت لحظة الحسم بضربات الجزاء لينتصر الساحر ميسي ورفاقه على القوي الماهر السريع مبابي ورفاقه ..انتصرت الكرة لصوت القلب وللمشاعر الإنسانية ولم تلتفت إلى منطق العقل .. أو إلى منطق القوة والسرعة
حتى في اللعب وحتى وفي الأمور التي يقيسها الناس بالمعايير العلمية البحتة يمكن أن ينتصر القلب ويصدق حدسه وتوقعه وأحلامه وامنياته ..