مقالات الرأى

خالد إسماعيل يكتب: حنان سليمان تفضح تجار الدين و”الباطنية”

لعلك ياعزيزى القارىء عرفت “جماعة الإخوان ” وتفريعاتها ،وعرفت “الدجل” والنصب باسم الإسلام العظيم ، ولعلك عرفت جانبا من المعلومات عن الأديان والعقائد التى من بينها “البهائية ” و”الدرزية” و”الصابئة “، ولكنك من المهم أن تعرف أن ” الباطنية” كانت الخطر الأكبرعلى جوهر الرسالة المحمدية ، فحسب ما ورد فى مؤلفات العالم والشيخ الجليل “أبوحامد الغزالى “أن ” الباطنية ” كانت محاولات من الأديان الوضعية السابقة على الإسلام للتخريب والهدم من الداخل ،وكانت المعركة التى نشبت بين “السنة ” و”الشيعة” وهى أطول معركة فى التاريخ الإسلامى ،بداية لتغلغل الباطنية فى “قلب العقيدة الإسلامية “، والغزالى يقول إن “المجوسية” استغلت حالة الصراع بين السنة والشيعة وتسللت بأفكارها المخالفة للقرآن الكريم وجوهر الإيمان ، فقالت بألوهية الأئمة ، وفكرة اعتمدت على “معصومية الإمام ” الموجودة عند الشيعة ،فالمعصوم عند الشيعة أصبح إلها عند “الباطنية”، والباطنية ياعزيزى القارىء عرفوا بهذا الإسم لأنهم يرون أن القرآن له تفسير”باطنى ” ، بمعنى أن كلمات الآيات التى يسمعها المسلم ويفهمها حسب معانى اللغة العربية ،لها دلالات أخرى يعرف “علماء وشيوخ الباطنية”، وأظن ـ يا عزيزى القارىءـ أنك أصبحت مهيئا لفهم ما سأحدثك عنه ـ الآن ـ وهو عمل روائى جميل للكاتبة المبدعة “حنان سليمان “، حمل عنوان “الراعى “، وصدرعن “دار الهالة للنشروالتوزيع “بالقاهرة ،وهذه الرواية مغامرة كبرى ، فالكاتبة تروى من خلال تقنية “الأصوات المتعددة” تفاصيل عالم فرقة “باطنية ” فى القرن الحادى والعشرين تسميها “الربطة السليمية”وتقودنا إلى دستور هذه الرابطة ،الذى تضمن هذا النص”شيخك إمامك ،مرآتك ، يسلك بك فى عالم الغيب ،ينزل معك إلى قبرك ،ويرد عنك السؤال ،عصمه الله ،فلايخطىء،كلما أعنته على نفسك حصدت الثمار،فتوجه إليه يلبيك ،وسلم له تسلم،حتى يسقيك من فيض بحره،فتهتزأرضك ،وتزهرثمارك “وتولدمن جديد ،والشرط أن لاتنهل إلا من مشربه،ولارجاء فى من لايجدشيخا يهذبه”،هذا المقطع لوأخضعناه لما ذكره ـ ابوحامد الغزالى ـ لعرفنا أن هذه الفرقة “باطنية” تقدم نفسها فى ثوب شيعى ، والعجيب الذى تقدمه الرواية هوتفاصيل العالم الذى تحياه “الرابطة السليمية” التى لها “مندوبيات “أو”فروع” فى بلاد عديدة منها “مصر” “والمغرب “، ولعل هذا يحيلنا إلى “الدولة المهدية ـ الفاطمية “أو “العبيدية ” التى حكمت مصرمائتى عام ، وكان مذهبها “شيعى إسماعيلى “، فكان مولدها فى المغرب الأقصى ، وتمكنها فى مصر، وهذا يحيلنا إلى الغرض السياسى للرابطة السليمية المرصودة فى رواية “الراعى “، هوغرض سياسى قديم ، عملت “إيران ” على إنجازه، فوصلت إلى دول أفريقية “القارة التى فيها مصروالمغرب” ، وحاولت فى زمن “حكم الإخوان ” فى مصر، أن تضع يدها على مساجد “آل البيت ” وتخترق “الطرق الصوفية ” و”نقابة الأشراف ” ، لتجعل كل هذه الجهات ” قوة ناعمة ” لحلم “الإمبراطورية الشيعية”،و”حنان سليمان “، ربما هى الكاتبة المصرية الوحيدة التى نقلت تجارب اثنتين من السيدات ،هما “فاتن” و”وفاء”وهما شخصيتان روائيتان ، كل واحدة منها روت ماعاشته داخل هذه الرابطة ، وما عاشته من انحرافات أخلاقية لشيوخ الرابطة ، الذين يستهدفون شرائح الطبقة الغنية ، ويسلبن أرواحهن ويسيطرن عليهن ، ويجعلن منهن “عبدات ” و”جوارى “أو “ملك يمين” باستخدام خطاب دينى ملتبس ، يعطى “السيدة الجميلة الغنية” ما تحتاجه من راحة ، لمدة مؤقته وبعد الإيقاع بها تصبح “سليبة” خاضعة، لأوامر”الشيخ” الذى يعتبرنفسه ظل الله على الأرض ،ونجحت “حنان سليمان ” فى تعرية هذه الجماعات “الباطنية” المتدثرة بالدين ،من أجل تحقيق هدف سياسى يتم تمويله والإنفاق عليه ، ورعايته من جانب بعض الحكومات “المستفيدة بالطبع من هذه الجماعات “، والرواية مكتوبة بلغة رشيقة ،لأن “حنان سليمان ” صحفية لها خبرتها ، والصحافة كما هومعروف ، ترقق اللغة وتبسطها ، فنجد أن الروائى “فتحى غانم” الصحفى الكبير،لغته سهلة ممتعة ، وكذلك يوسف إدريس ، الذى هو عمدة القصة القصيرة ” بعديحى حقى” ،لغته بسيطة بفضل عمله فى الصحافة أيضا، عموما رواية ” الراعى ” مهمة من حيث الموضوع ، جميلة من حيث اللغة وغنية من حيث “الحمولة المعرفية” التى تقدمها ،كل التحية للكاتبة الكبيرة “حنان سليمان” وروايتها المدهشة .

زر الذهاب إلى الأعلى