مقالات الرأى

محمد أمين المصرى يكتب: يسرا..بطلة من سوريا

سوريا ليست حربا دائمة وميليشيات وداعش ومدن ضاع الحق فيها، فثمة قصة كفاح وألم، عذابات وشجن، قصة حلم بدأ بكابوس، فالكوابيس هي البطل الحقيقي لقصة شقيقتين سوريتين – يسرا وسارة مارديني- عشقا السباحة معا وكادا يمثلا سوريا في أولمبياد ري ودي جانيرو عام 2016، ولم لا؟..فالأب بطل سباحة ولكنه لم يأخد نصيبه من الجوائز بسبب ظروف الخدمة العسكرية في بلاده فاضطر للتغيب عن التدريب، ولكن حلمه بحمل كؤوس البطولات لم يختف عقلا وروحا، فوضع كل ثقته وآماله في يسرا وسارة، وإن كانت يسرا أقرب لقلبه وعقله وشغفه بالسباحة، بينما انشغلت سارة بأمور المراهقات.

تمر وتيرة فيلم (السباحتان) عادية حتى تأتي لحظة انفجار الثورة في سوريا في مارس 2011، لتنقلب أمور في البلاد رأسا على عقب، فمن آمان مطلق وتدريب يومي للشقيقتين، الى حالة غليان في العاصمة دمشق وبقية المدن، حتى كادت يسرا تفقد حياتها أثناء بطولة محلية عندما تعرض حمام السباحة لقذيفة شاء الله ألا تنفجر وهي على بعد أمتار في قاع الحمام من يسرا التي عانت صدمة نفسية، دفعتها لاحقا هي وشقيقتها الى طلب الهجرة الى ألمانيا حيثما فعلت صديقتهما.

لم يصدق الأب ما سمعه من ابنتيه، فكيف لفلذات كبده الهجرة الى عالم غريب وتركه ووالدتهما وشقيقتهما الصغيرة، في بلد يستيقظ فجر كل يوم على انفجارات ومظاهرات وكمائن وممارسات مشينة من حراسها ضد البنات بحجة الحفاظ على الأمن.

اعتادت يسرا اللعب بعصفورتها يوميا وتخرجها من صندوقها لتطير دقائق في الغرفة حتى تحبسها مرة أخرى، ولم تكن تدري أنها ستعيش لحظة الحبس الطوعي في طائرة وباصات وزاورق بحرية من مدينتها دمشق في رحلات عذاب وموت لا يتخيلها عقل، فوقعت هي وسارة فريسة لطمع المهربين ابتداء من تركيا مرورا باليونان ثم المجر حتى ألمانيا المحطة الأخيرة، ولكنها ليست رحلة عادية، فكل ما بها يؤدي الى الموت لا محالة.

ولكن القدر كان رؤوفا بالشقيقتين في نهاية المطاف ليصلا الى برلين لتذهب يسرا الى نادي سباحة وتقنع المدرب بموهبتها ثم يؤهلها للفوز باولمبياد ري ودي جانيرو تحت شعار فريق اللاجئين، فكانت حزينة في البداية حتى فازت لتحقق جزءا من أحلامها وكفاها فخرا أن العالم عرف أنها بنت من سوريا.

لا تكفي الكتابة عن فيلم (The Swimmers) فمشاهدته ضرورية لمعرفة كيف يتحقق الحلم من خضم كوابيس لا نهاية لها.

زر الذهاب إلى الأعلى