حقنة البرد السحرية.. كيف تحول العلاج السريع إلى وصفة صامتة للأذى؟

مع الدخول في موسم التقلبات المناخية، تتزايد الإصابات بنزلات البرد والانفلونزا والتي لم تعد مجرد عارض موسمي عابر، ما دفع الكثيرون للاتجاه إلى الحلول السريعة، حتى لو كان على حساب السلامة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ”خلطة البرد” أو حقنة البرد التي يُشاع أنها تقضي على المرض في ساعات قليلة.
لكن خلف هذا التحسن السريع، تختبئ مخاطر حقيقية دفعت وزارة الصحة إلى التحذير أكثر من مرة من خطورة هذه الحقن العشوائية، التي يتم صرفها دون تشخيص طبي دقيق، ويتم استخدامها كحل جاهز لنزلات برد أغلبها فيروسي بطبيعته، كما يوضح الدكتور السيد المر، استشاري الباطنة العامة، في تصريحات خاصة لـ “الشروق”.
ثقافة الحل السريع والجهل بطبيعة المرض
ويقول الدكتور السيد المر، إن السبب الرئيسي لانتشار حقنة البرد بهذا الشكل يعود إلى ثقافة الحل السريع، حيث يبحث المريض عن راحة فورية دون انتظار.
وإلى جانب الجهل بحقيقة أن أغلب نزلات البرد سببها فيروسات، لا تستجيب من الأساس للمضادات الحيوية، أكد المر، أن استخدام المضاد الحيوي دون داعٍ طبي حقيقي لا يعتبر مجرد خطأ فردي، بل يمثل تهديدًا صامتًا للصحة العامة، لأنه يسرع من ظهور سلالات بكتيرية مقاومة.
وأشار إلى أنه شاهد بنفسه حالات مرضية أصبحت حياتها في خطر بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات، نتيجة الإفراط في استخدامها سابقًا.
خلطة خطرة تحت مسمى “حقنة البرد”
ويوضح الدكتور المر، أن ما يُعرف بحقنة البرد غالبًا ما تتكون من ثلاث مواد رئيسية تتمثل في: مضاد حيوي، ديكلوفيناك صوديوم الموجود في حقن الفولتارين أو الديكلوفين، كورتيزون مثل حقن ديكساميثازون.
ووصف هذه التركيبة بشديدة الخطورة عند استخدامها بشكل روتيني؛ فالمضاد الحيوي قد يسبب حساسية مفرطة أو صدمة تحسسية تهدد الحياة، إلى جانب دوره في زيادة مقاومة البكتيريا.
أما الديكلوفيناك، فمرتبط بزيادة مخاطر الجلطات القلبية والمخية، وقد يسبب قرحًا ونزيفًا بالمعدة، خاصة عند دمجه مع الكورتيزون، أما الكورتيزون، فرغم قدرته على تقليل الالتهاب، إلا أنه يضعف المناعة، ويرفع ضغط الدم والسكر، وقد يؤدي مع الإفراط إلى ضمور الغدة الكظرية.
تحسن خادع ومرض مخفي
ويفسر استشاري الباطنة شعور المريض بتحسن سريع بعد الحقنة بأنه تحسن خادع ناتج عن تأثير الكورتيزون في تقليل الالتهاب، والديكلوفيناك في تسكين الألم، دون علاج السبب الحقيقي للمرض.
والأخطر من ذلك، أن هذه الحقنة قد تُخفي أعراض أمراض أكثر خطورة، مثل عدوى بكتيرية عميقة، أو خراج، أو أمراض مناعية، أو حتى أورام سرطانية، ما يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج الصحيح.
مضاعفات فورية وأخرى طويلة المدى
وبحسب الدكتور المر، فإن مخاطر حقنة البرد لا تقتصر على المدى البعيد فقط، بل قد تظهر فورًا في صورة: صدمة تحسسية حادة من المضاد الحيوي، ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم، نزيف حاد بالمعدة.
أما على المدى الطويل قد تؤدي إلى فشل كلوي، أو ضعف مناعة مزمن، أو قرح بالجهاز الهضمي، أو ضمور بالغدة الكظرية، خاصة مع التكرار.
ويشير إلى أن الفئات الأكثر تضررًا تشمل مرضى السكر، والقلب، وضعف المناعة، وهشاشة العظام، وحتى مرضى الاكتئاب، حيث تتضاعف لديهم الآثار الجانبية للكورتيزون والمضادات.
ما البديل الآمن؟
يشدد الطبيب على أن التعامل الطبي الصحيح مع نزلات البرد يبدأ بالراحة، وتناول السوائل الدافئة، وتجنب التدخين، واللجوء إلى الغرغرة بالماء والملح، أو العسل والليمون لغير مرضى السكر.
ويضيف أن بعض الحالات فقط قد تحتاج إلى تدخل دوائي خاص مثل: مضادات الفيروسات لكبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة، مضادات حيوية في حالات محددة وواضحة، مثل التهاب الجيوب الأنفية الممتد أكثر من 10 أيام دون تحسن، أو التهاب رئوي مثبت بالأشعة، أو التهاب لوز بكتيري.
ويختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة وجود وعي مجتمعي بمخاطر هذه الحقنة والانتباه لتحذيرات وزارة الصحة، والتوقف عن التعامل مع الدواء كحل سريع بلا حساب.










