المرأة والأسرةمنوعات وسوشيال

رهبة الامتحانات تبدأ من الطفولة.. كيف يتحول القلق إلى فوبيا؟

0:00

تعد فترة الامتحانات من أكثر المراحل إرهاقا نفسيا لدى كثير من الطلاب، لا بسبب أعباء المذاكرة وحدها، بل لما تفرضه من ضغوط عصبية ونفسية قد تتجاوز في تأثيرها عبء الدراسة نفسه، ففي الوقت الذي يمر فيه موسم الامتحانات بهدوء نسبي على البعض، يتحول لدى آخرين إلى مصدر قلق واضطراب يعيق قدرتهم على التركيز والتحصيل الدراسي.

وفي هذا السياق، أوضح عمرو مجاهد، الأخصائي النفسي الإكلينيكي، في حديثه لـ«الشروق»، لماذا يشعر بعض الطلاب بالخوف أكثر من غيرهم؟، وما أشهر الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الطلاب خلال فترة الامتحانات؟، وكيف تبدأ رهبة الامتحانات منذ الطفولة نتيجة بعض الممارسات الخاطئة؟.

– لماذا يشعر البعض بالخوف؟

قال عمرو مجاهد، إن الأمر يعود إلى تفاعل الشخص مع تجاربه والبيئة المحيطة به، فالأمر غالبًا ما يبدأ منذ الطفولة؛ إذ قد يكون الطالب تعرض للإحراج أمام زملائه بسبب درجة امتحان، أو وضع في مقارنة جارحة، فخزن عقله تلك الذكرى واستنبط منها أن الامتحان يعد خطرًا بحد ذاته، ومع مرور الوقت يتضخم هذا الخوف.

وتابع: “قد يكون طالب آخر لم يتعرض لأي من هذه المواقف، لكن طبيعة شخصيته قلقة وكثيرة التفكير، كما أن جهازه العصبي أكثر حساسية من غيره، فيضخم الأمور جميعها، وهذا لا يعد ضعفًا، بل طبيعة شخصية تحتاج إلى معرفة كيفية التعامل معها”.

– أشهر الاضطرابات لدى بعض الطلاب

أما بالنسبة للاضطرابات التي قد تظهر خلال فترة الامتحانات، فقد أشار مجاهد، إلى أن الامتحانات ليست هي التي تخلق الاضطرابات من العدم، لكنها تضغط على نقاط الضعف الموجودة بالفعل وتبرزها على السطح.

وبين أن من أشهر هذه الاضطرابات: اضطرابات القلق، ونوبات الهلع، والاكتئاب في صورة إحساس بالعجز، وكذلك الوسواس القهري، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية الجسدية، وهي التي يكون لها تأثير جسدي ناتج عن أسباب نفسية، مثل الصداع المزمن، ومشكلات القولون العصبي، واضطرابات النوم والطعام.

– ما الفرق بين الخوف الطبيعي والخوف المرضي؟

ولكي يميز الطالب بين الخوف الطبيعي من الامتحانات وبين الرهبة الزائدة عن الحد، لفت مجاهد، إلى أن الخوف الطبيعي يُعد شعورًا صحيًا يساعد الإنسان على التقدم وتحقيق الإنجاز، بينما الخوف المرضي يدفع الإنسان إلى الدخول في حالة من الشلل النفسي، فيفقد قدرته على الإقدام أو الإنجاز.

وأوضح أنه يمكن تقسيم الخوف إلى نوعين الأول على مستوى التفكير، حيث يفكر الطالب في نقاط قوته وضعفه، وهو أمر طبيعي يساعده على تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تركيز أكبر أثناء المذاكرة.

وأكمل: “أما النوع الآخر فيظهر عند الانغماس في الأفكار السوداوية، والانتقال من التفكير في المنهج إلى الخوف على الذات وتحقيرها والشعور بالتهديد، وهنا يتحول الخوف إلى حالة مرضية قلقة، ويصاحب ذلك ظهور أعراض جسدية، مثل زيادة ضربات القلب وآلام المعدة”.

وأشار إلى أن من أبرز السلوكيات المرتبطة بالخوف الزائد الرغبة في الهروب وردود الفعل المبالغ فيها، كتمني حدوث أي شيء يمنع الذهاب إلى الامتحان، والشعور بالعجز التام عن فعل أي شيء، وهو ما يؤدي إلى نتيجة عكسية تمامًا لما يسببه الخوف الطبيعي.

وأضاف مجاهد: “ليس كل قلق يحتاج إلى علاج، فالقلق الصحي لا يتطلب تدخلًا علاجيًا، وإنما يحتاج الطالب إلى إدراك أن كثيرًا من هذه المخاوف غير واقعية، وأن جهازه العصبي في حاجة إلى التهدئة ليعود إلى وضع الاستعداد الطبيعي، وأن يحاول التركيز على المذاكرة، وألا ينجرف إلى التفكير في أن قيمته مرتبطة بهذا الامتحان”

– كيف تنتقل فوبيا الامتحانات من الأهل إلى الطفل؟

وقال عمرو مجاهد، إن الطفل بطبيعته لا يولد وهو لديه مخاوف من أي شيء، ولكنه يكتسب ذلك عبر الأيام دون أن يشعر الأهل، فهو في الأساس يتعلم عن طريق ما يُسمى بالنمذجة، أي ملاحظة نموذج يراه أمامه بشكل مستمر ويتعلم منه.

وتابع: “فعند بداية دخوله المدرسة وخوض تجربة الدراسة والامتحانات، يلاحظ أن المنزل قد سيطرت عليه أجواء التوتر والقلق، حتى ولو لم يصرّح الوالدان بكلام يقلقه، لكن الأجواء المشحونة تجعله يربط بين الامتحانات وبين التوتر، ويشعر بأن الامتحان يشكل خطرًا عليه، ويدخل عقله في حالة من الشعور بالتهديد والخوف من فقد الأمان والحب والقبول من والديه”.

ولفت إلى أن هذا القلق قد يظهر في صورة فوبيا، أو يتطور إلى ادعاء المرض، أو حتى الشعور الفعلي بالإعياء، مثل آلام المعدة أو القيء، وهي إشارات يعبر بها الجسد عن حالة الخوف التي يعيشها الطفل.

وللتغلب على ذلك، نصح مجاهد، بالتركيز على الفصل بين الامتحان وقيمة الطفل نفسه، فيجب أن يشعر الطفل بأنه مهم ومحبوب لذاته سواء نجح وحقق درجات مرتفعة أم لا.

وأكد أن من المهم الحفاظ على الأجواء الهادئة بالمنزل قدر الإمكان، وتثبيت مواعيد النوم والروتين اليومي، وأن يسيطر الوالدان على قلقهما أمامه، فالعقل لا يستطيع التركيز والعمل بكفاءة وهو يشعر بأنه في وضع الطوارئ.

وأشار إلى ضرورة أن يتعلم الطفل أن الفشل ليس نهاية الطريق، وتلك نقطة مهمة ومحورية في التنشئة النفسية السليمة للطفل، ليس فقط لكي تمر فترة الامتحانات عليه بسلام، ولكن لكي لا يكبر خائفًا من خوض أي تجربة خشية الفشل.

زر الذهاب إلى الأعلى