د. سالي جاد تكتب: دراما رمضانية نظيفة .. تجمعنا لا تفرقنا

على الرغم من كل ما يتردد حول انهيار الدراما وانحدار مستوى الابداع خلال السنوات الأخيرة ، إلا أننى كنت ومازلت على قناعة تامة بأن الدراما ليست مجرد مشاهد تمر أمام أعيننا، بل هي انعكاس لحياتنا، وشريك أساسي في تشكيل وجداننا وقيمنا.
وعلى مدار سنوات، كان لشهر رمضان طابعه الخاص في تقديم أعمال درامية تحمل بين طياتها قصصًا تجمع العائلة حول الشاشة، فتغرس في النفوس مشاعر الدفء والانتماء، وتعيد صياغة تفاصيل حياتنا التي قد نكون غفلنا عنها وسط زحام الأيام.
توقفت طويلًا أمام هذا الموسم الدرامي، وأنا أبحث عن ذلك النوع من الأعمال التي تأخذ بأيدينا نحو الأفضل، التي تروي قصصًا تشبهنا دون أن تفسد علينا متعة المشاهدة، التي تحمل رسالة دون أن تثقل على القلب والعقل، والتي تجمع ولا تفرق. لذا فإننى أتمنى، بل أحلم، بأن يكون موسم دراما رمضان هذا العام مختلفًا… موسمًا يعيد إلينا ذلك الشعور الذي افتقدناه كثيرًا، حين كانت البيوت تلتف حول عمل درامي واحد، لا يخجل الكبير من مشاهدته مع الصغير، ولا تضطر العائلة إلى تغيير القناة خشية مشهد غير لائق أو فكرة لا تناسب الجميع.
اللافت للنظر أن الدراما قادرة على أن تكون قوة بناء لا هدم، يمكنها أن تعيد صياغة القيم والمفاهيم، أن تبعث برسائل غير مباشرة تعيد إلى المجتمع أخلاقه وأصالته، أن تقدم النماذج الإيجابية دون أن تقع في فخ المباشرة أو الوعظ. كم نحن بحاجة إلى دراما تعيد إلينا قيمة الحب غير المشروط، دراما تحترم ذكاء المشاهد دون أن تعبث بمشاعره، دراما تقدم الفن في أرقى صوره، دون ابتذال أو استسهال.
في تقديري الشخصي، لا يوجد عمل درامي بلا صراع، فالحياة ذاتها قائمة على صراعات لا تنتهي، لكن السؤال الحقيقي: كيف نقدم هذا الصراع؟ كيف نرسم الخط الفاصل بين الواقع والإسفاف؟ كيف نصنع دراما تبني ولا تهدم، تنير العقول ولا تغرقها في الظلام؟ أسئلة كثيرة تدور في الأذهان كلما اقترب موسم رمضان، وكل عام يتجدد الأمل في أن نجد أعمالًا تعيد للدراما هيبتها، وتحمل في طياتها ذلك الطيف الإنساني الذي يجعلنا نعيش مع الشخصيات ونتأثر بها، لا أن ننفر منها ونرفضها.
لذا، أتمنى أن يكون هذا العام عامًا مختلفًا… أن نشاهد أعمالًا تحترم القيم الإنسانية قبل أي شيء، أن تعود الدراما لتكون مرآة للمجتمع لا أداة لهدمه، أن نلتف حول الشاشة ليس خوفًا مما قد نشاهده، بل شغفًا بما ستقدمه لنا الدراما النظيفة، تلك الدراما التي تجعلنا نحلم، نفكر، ونرتقي بذائقتنا الفنية والإنسانية ، فهل يتحقق هذا الحلم؟