صفوت عباس يكتب : (مسئوليه طبيه.. ومهنه حكيم بلا قلب )
اذا كانت المسئوليه عن اخطاء العمل تلاحق مرتكب الخطاء في اي مكان فلا داعي لاعتبارها سبب هروب الاطباء من العمل الحكومي الي الهجره او العمل الخاص.
كرس موروثنا الثقافي والاجتماعي اعتبار مهنه الطب حسب التعبير الدارج حاليا (نمبر ١) في سلسله المهن والوظائف عندنا وساعد علي ذلك نظامنا التعليمي الذي يؤسس “للتعليم للتوظيف والفائده” وليس “التعليم للعلم والتعلم”.، وعليه فإن مهنه الطب الجليله قدمت لمنتسبيها وضعا اجتماعيا متالقا ووضعا ماديا ومعيشيا مزدهرا حيث الخدمه محل طلب كثيف وكان هذا سببا في التهافت عليها طمعا في ثرائها وبريقها.
في غمره الانشغال بغزه وترامب ولبنان والجولاني يدور بعيد عن اهتمامنا حوار صاخب بين جنبات البرلمان بمجلسيه (شيوخ ـ نواب) وفي مجتمع الاطباء والمهتمين بالمجال الطبي_ ويدور النقاش حول قانون المسئوليه الطبيه _ وجمله الحوار تدور حول معاقبه الطبيب بالحبس عند ارتكاب خطاء طبي يلحق ضررا بمتلقي الخدمه (المريض) مع تعويض المتضرر عما لحق به من ضرر نتيجه خطاء او اهمال طبي، والغريب ان الطرف الاصيل في المعادله وهو المريض غائب او مهمل في مناقشه الامر باعتبار ان النواب عنه بكفائه واحساس يسمح بتمثيله فيما يخص حياته!!
.. علي اثر محتوي مشروع القانون تناثرت اخبار من نقابه الاطباء مفادها ان اعداد الاطباء الذين يرغبون في تعديل توصيفهم بالنقابه لفئه (طبيب حر) في ازدياد ومع مايرونه بتدني مستوي الاجور في منظومه مقدمي الرعايه الطبيه من اطباء وهيئات التمريض يراها الاطباء سببا للعزوف وترك العمل الحكومي الي الهجره للخارج او العمل بعيادات و موسسات طبيه خاصه تضمن لهم بيئه عمل ايسر واجور اعلي.
.. كما تضمنت المقدمه فان المنطق مبتور في ان العزوف عن العمل الحكومي بسبب التهرب من المسئوليه عن الخطاء المهني الوارد حدوثه في اي مكان الا اذا تحري المكان الخاص ان يعمل علي وينتقي حالات غير حرجه او طارئه ويرفض تلك الحالات التي تتطلب دقه عاليه لعلاجها.
والصحيح ان عزوف الاطباء عن العمل الحكومي هو بتاثير الرغبه في تحقيق عوائد ماديه عاليه من ممارسه العمل في الرعايه الطبيه الخاصه تصل لحد معه يمكن اعتبار اسعار العلاج الخاص بانها مبالغ فيها او فااااحشه.
.. تكاليف الخدمه الطبيه اصبحت عبئا جسيما علي كاهل البسطاء الذين يمثلون القطاع الاعظم من المصريين لحد اصبح معه العلاج في حكم الترف وفي الحالات الحرجه في القري يتم فتح باب التكافل للتعاون من اجل علاج بائس داهمه مرض عضال مفاجئ او انتكست حالته القديمه بفعل تهاونه المتعمد في التغافل عن تعاطي الدواء الذي يعز عليه تدبير سعره او ان حاجاته الاخري تلتهم دخله فلا يتبقي للعلاج شيئ، حدث هذا مع تدني مستوي الخدمه عند مقدميها مجانا (وزاره الصحه) ومع زياده فلكيه لاسعار العلاج الخاص تراوحت فيها مناظره لطبيب كبير قيم من ٥٠٠ الي ٢٠٠٠ جنيه والذي يدخل المريض في باقه فحوص عند مراكز تحاليل واشعه بعينها والزام بشراء اسماء تجاريه لادويه من شركات معينه ومن صيدليات معينه الامر الذي وقر في ضمير الناس ورددت السنتهم ان المنظومه من الطبيب لمركز الاشعه لمعامل التحاليل للصيدليه لشركات الدواء تعمل لحساب بعضها مقابل جزء من سعر خدمته يناله الطبيب المعالج عن كل حاله يحولها الطبيب لهؤلاء او ان شراكه فعليه تتم بينهم تطحن بلا هواده عظام مريض انهك المرض جسده وافرغ جيبه ان كان له جيب من اساسه.
.. من الممكن ان يصل عدد كليات الطب في مصر الي ٣٠ كليه مابين حكومي واهلي وخاص والعدد قابل لان يزيد بفعل تهافت الناس علي الحاق ابنائهم بدراسه الطب حتي لو بتكلفه فلكيه جعلت بعضهم يتصرف في ماورثه ليدبر نفقاتها وفي تفاوت في المستوي الدراسي للراغبين حيث تصل درجات القبول في الحكومي الي اكثر من ٩٠٪ وفي الخاص الي اقل من ٨٠٪ وربما خارج مصر الي اقل من ذلك بكثير _هذا للتدليل علي انه حتي التعليم الطبي اصبح بيزنس لايراعي جوده منتجه _ ومع كل هذه الاعداد نجد وحدات صحيه ومستشفيات حكوميه بلا طبيب!
.. مع حاله التضخم ارتفعت اسعار الخدمات العلاجيه الخاصه وحتي يحافظ ويحمي الاطباء عن وضعهم المالي ومظهرهم الاجتماعي كانت مبالغتهم متوحشه في نطاق العمل الطبي الخاص، علاوه علي ضغوط شركات الدواء لرفع اسعار منتجها بمكون مستورد الذي تأثر بفعل تعويم العمله المحليه اضافه الي اعتبارات التسعير الغير معروف المنطق فيها.
ومع نظام التامين الصحي القديم المكبل فنيا واداريا ومع منظومه التامين الصحي الشامل التي لم تطبق كليا للان والتي تخنقها اجراءات ورقيه وسلسله تسجيل وتحويل بين مقدمي الخدمه من طبيب اسره لاخصائي لاستشاري في اماكن متباعده التنقل بينها يزيد شده المرض يصير خيار العلاج الخاص حلا مستنزفا للصحه و المال ان وجد.
.. منظومه الاجور في وزاره الصحه يراها الاطباء لاتحقق لهم قيمه وتميزا فهجروه بالهجره او العمل الخاص لتضيع انسانيه مهنه الطب في زحام تحولها من مهنه الي بيزنس وكسب صريح يصاحبه الان اعتراض شديد عن الجزاء عن الخطاء والاهمال.
…. وعليه فإن كل مايتعلق بالخدمه الطبيه في مصر (تعليما وتوظيفا واجرا وتامينا) يحتاج الي مراجعه امينه لامكان عوده الانسانيه الي مهنه الحكيم.