رأفت السويركي يكتب: تغيير المناهج التعليمية السورية خطوة تأكيد التمكين المتأخون!!
إن “العقل التفكيكي” وهو يتابع ردود الأفعال تجاه “الأحداث السورية”، يرصد حالة من الانتشاء المَرَضِيَةِ تجاه “سقوط النظام السوري” من دون إدراك لما سيتبعه من نتائج مخيفة (حسب النتائج المتحققة في الواقع) من فعل الهدم لمجتمع كبير وقديم بكل خصوصيته والتي أشرنا إليها في التدوينات السابقة. وقد أكدتُ قراءة ذلك الحدث باعتباره يمثل إحدى صور تنفيذ “سيناريو الشرق الأوسط الصهيوني الجديد”.
وتأكيداً للأصول الحاكمة لفرق وميليشيات الإسلام السياسوي التي تمكنت من إسقاط النظام السوري بدعم الغرب الصهيوني الكافر؛ فإن ما ذكره حسن الساعاتي البنَّاء عن مستهدفه يُعدُّ القاعدة المرجعية بمقولته: “يجب أن نصل إلى أستاذية العالم، والوطن وسيلة وليس غاية”؛ أي أن الوطن أداة للقفز على السلطة وليس قيمة للدفاع عنها؛ وكذلك ما قاله الماسوني سيد قطب:” الوطن حفنة من التراب العفن”!!
والسؤال: هل جاء الشرع “الجولاني القاعداني الداعشاني” بتطبيقات تخالف تلك المقولات؟! من المؤكد أنه يُبَشِّر لسوريا بأنموذج مخيف لمن يريد أن يدرك حجم المخاطر المتحققة وكذلك المنتظرة. حيث تنتظر سوريا “وطن الثقافة والإبداع” المتنوع مُستقبلاً سيشيب من هوله الغلمان كما يُقال… كيف؟
إذ ما كاد النظام السوري يسقط لأسبابه الداخلية والخارجية على حد سواء؛ حتى أسفرت بيادق الإسلام السياسوي ( الجولاني أنموذجاً) عن الوجه الحقيقي المُنافق؛ والذي لا يُبشِّر بالتفاؤل ـ من وجهة نظر محايدة ـ للسوريين والمنطقة كلها.
لقد كانت “الحركة الأولى” بكل شبهاتها للجولاني القاعداني الداعشاني تتمثل في إدماج بعض عناصر الميليشيات من “غير السوريين” في بنية القيادة للجيش السوري الموصوف بالجديد؛ والذي سيكون “ميليشياتي التكوين”.
وهذه حالة تجسد المنطق الفاسد المتأخون الذي قاله “حسن الساعاتي البنَّاء” في رسائله:” نحن لا نعترف بأي نظام حكومي ولا بكل هذه الأشكال التقليدية”؛ لأنه محكوم بحلم المتوهم الأسطوري الذي يُسمى “نظام الخلافة” وأداة تنفيذه تكون عبر “التنظيم الخاص” الذي قام بتشكيله عقب نكبة 1948م؛ وكذلك ما ذكره “سيد قطب” الماسوني بالتشكيك في “الجيوش الوطنية” مزيفاً وظيفتها حصراً بالاعتداء على جماهير الشعوب العربية!!
كما لا ينبغي نسيان أن إدماج “الإرهابيين غير السوريين” في جيشه الجديد يأتي تطبيقاً لمُتوهم ما ذَكَرَه أحد مرشديهم بأنه يقْبَل بحاكم مسلم حتى ولو كان من جنسية أخرى؛ في إطار تطبيق مقولة “حسن الساعاتي”: “الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة… و… إلخ”.
إن الدال المهم الذي يكشف “المسكوت عنه” في “الخطاب الميليشياتي المسعور” والخاص بالتنظير لهدم أدبيات “الدولة الوطنية السورية” هو مضمون ما أعلنته “وزارة التربية والتعليم السورية” عن تعديلات المناهج الدراسية بوزيرها الجديد “نذير القادري” فيما تسمى “الحكومة المؤقتة” ـ ولا ينبغي نسيان أنه قد اتُّهِمَ خلال وجود النظام السابق بـ”إثارة الفتنة الطائفية”!
وهذه التعديلات المتعجلة بحالتها “الصَّرَعِيَّة” في وزارة التربية والتعليم تكشف حقيقة هذا التكوين الميليشياتي المتمكن الراهن وخطابه المتأخون والمرتبط بفكر الجماعة الساعاتية وما أنجبته لاحقاً في المعامل الاستخباراتية الأميركية من فرق “القاعدة” و”داعش” وما شابه.
فقد شرعت تلك الميليشيات في الدولة السورية بعمليات الهندسة السياسوية لإعادة تغيير “الهوية التاريخية” للوطن السوري بفعل ما تُسمى كذباً في الاصطلاح “هيئة تحرير الشام” ليس من المحتل الصهيوني ولكن من النظام؛ والبدء في سيناريو إعادة صياغة “الوطن السوري الجديد” وفق فكرها المضاد للنهج الدولاتي؛ مستخدمة ما تضعه فوق وجهها من قناع الإسلاموية المُضلِلَه.
وفي نقاط محددة يمكن إدراك ملامح تلك “اللعبة المتأخونة” التي شرعوا في تطبيقها:
** إلغاء مادة “التربية الوطنية” من المناهج الدراسية والامتحانات للعام الدراسي الجاري؛ بحجة احتوائها على “معلومات مغلوطة تهدف إلى تعزيز الدعاية لنظام الأسد المخلوع وترسيخ قواعد حزبه”.
ولكشف الزيف هنا؛ فقد كان يمكن حذف ما يرتبط بـ “النظام الأسدي”؛ وليس بإلغاء المادة كلها. ولنتوقف لكشف المضمر المختبئ في هذا القرار. إذ أن الفكر “الساعاتي البنَّائي” المتصهين هو دوماً في “حالة تضاد” مع “اصطلاح الوطن”، على الرغم من أنه اصطلاح مُتَعَارف عليه ومستقر عالمياً؛ وكذلك هو معتمد في تقنين أوضاع وحدود كل دولة. لكن “الجماعة الساعاتية” الماسونية لفرض هيمنتها على المنطقة تحْلم بامتطاء ناقة “موروث الخلافة” لاغتصاب سدة الحكم؛ وتصدير “التكوين الديني” واجهة والذي انقرض وتلاشى.
** “تعديل بعض المعلومات المغلوطة في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة”. فضلاً عن أن درجات “مادة التربية الوطنية” سيتم تعويضها بـ “مادة التربية الدينية الإسلامية أو المسيحية”، مما يعني أن مادة “التربية الدينية” ستُعاد إلى المجموع العام؛ وتدخل في حساب الشهادة الثانوية العامة بفروعها.
وهنا يتكشف “التوجه المتأخون” الذي يُحوِّل “مادة العقيدة” إلى وسيلة اختراق سياسوي غرضها تحقيق النجاح في الامتحان. والمؤكد أن الفِرَق التي ستقوم بتغيير المواد لاحقاً ستفرض تصوراتها الخاصة حين النظر للخطاب الديني؛ مع تجاهل إشكاليات الرؤية المتعددة وفق التصورات المرتبطة بالخريطة العرقية السورية المتشكلة بأطيافها ومعتقداتها (سنة وعلوية وكردية و… إلخ). فهل هذه الخطوة تمثل تجهيز البيئة المحلية السورية للاحترابات العقدية لاحقاً؟ السؤال مشروع.
** والمثير للريبة كذلك هو التوجه الكهفوي في التفكير بإلغاء العديد من المواد المرتبطة بالأنشطة مثل (التربية الفنية الموسيقية، التربية الفنية التشكيلية، الرياضة)؛ متجاهلين بالغباء المعرفي أن هذه الانشطة الواجبة تلبي رغائب ومواهب الطلاب في السنوات المبكرة من العمر؛ وتنتج مستقبلياُ علامات ستكون مهمة في خطابات التعبير الإبداعي.
** ويتواصل النهج المدمر لسوريا الوطن بتغيير النشيد الوطني الذي يلصقونه في النظام المنهار؛ متجاهلين ما ورد في ردود الأفعال بأن “نشيد حماة الديار” من كلمات الشاعر السوري خليل مردم بك معتمد منذ العام 1938، وأن العلم بنجمتيه الاثنتين ليس علم النظام؛ ولكنه علم “سوريا الوحدوية” منذ العام 1958م؛ ليحل بدلاً عنه علم ما تُسمى أكذوبة “الثورة السورية”.
** ومن دلائل “الفكر الماضوي المغلق” هو ذلك العدوان المخيف على علامات ورموز التاريخ السوري الحضاري العميق؛ بحذف الإشارات الميثيولوجية القديمة لما سميت بلغة أزمنتها الآلهة؛ وحذف أسماء شخصيات تاريخية مثل الملكة السورية “زنوبيا” و”خولة بنت الأزور” معتبرين أنهما من”الشخصية الخيالية”.
** تغيير كلمة “احتلال عثماني” إلى “الحكم العثماني”، وإلغاء “عيد الشهداء”(6 مايو/آيار)، الذي نفذ الاحتلال العثماني خلاله أحكام الإعدام على مواطنين سوريين ولبنانيين بعد فشلها في الحرب العالمية الأولى.
** تغيير كلمة “حرب تشرين التحريرية” الى “حرب 1973″ لأن حافظ الأسد كان وقتها في موقع الرئاسة السورية؛ والمطلوب مسح تاريخه بالمطلق.
وفضلاً عن ذلك فإن موقع” syriannation” قدم قراءة توصيفية أكثر تفصيلاً بعنوان دال نصه: ” تعديلات بإيديولوجية جهادية تستهدف الهوية الوطنية ودس لعبارات تكفيرية”؛ منها:
– التعديلات لم تقتصر على إزالة رموز النظام السابق ولكن كانت أكبر ضحاياها كتب التربية الإسلامية والعلوم الطبيعية والفلسفة واللغة العربية وطبعا التاريخ.
– وزارة التربية أضافت لمستها وآراءها بحذف دروس وعبارات وشخصيات ليست لها علاقة بالنظام وانما بما يتماشى مع فكرها التكفيري اللاوطني الرافض لأية هوية وطنية جامعة للسوريين.
– التعديلات فيها استهداف لكل التاريخ السوري ما قبل الإسلام من تدمر والآراميين والكنعانيين، وحذف دروس علمية تحكي عن أصل الحياة، وتطور الدماغ، ودروس كاملة من كتب الفلسفة، واستبدال عبارات بعبارات تكفيرية تحريضية بكتب الدين وحذف أحاديث نبوية رافضة للقتل والعنف، واستبدال “كلمة الوطن” بـ “الدين” و”احترام القانون” بـ “احترام الشريعة” وغيرها بما يشكل تهديداً حقيقياً للأجيال السورية.
** كتب التربية الإسلامية:
– للصف الأول: الصفحة 9 تغيير عبارة “المغضوب عليهم، الضالين إلى من ابتعدوا عن طريق الخير” لتصير “اليهود والنصارى”.
– الصف الثالث: الصفحة 46 استبدال كلمة ” الشجاع يُدافع عن تراب الوطن” لتصير “في سبيل الله” وفي الصفحة 19 حذف “اسم زنوبيا.”
– الصف الخامس: الصفحة 50 حذف حديث “ما من إنسانٍ يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، إلا سأله الله عنها يوم القيامة” بحجة أن (الحديث ضعيف (فيما هو حسب المراجع صحيح الإسناد .
– الصف السابع: الصفحة 19 حول تعريف الشهيد باستبدال “من قُتِلَ دفاعاً عن الوطن” لتصير “من قُتِل لإعلاء كلمة الله.”
– الصف التاسع: الصفحة 16 استبدال: “أن يبذل الإنسان روحه في الدفاع عن وطنه” لتصير “أن يبذل الإنسان روحه في سبيل الله”، ومن الكتاب نفسه الصفحة 20 استبدال “يحكمه قانون العدل” لتصير “شرع الله” والصفحة 70 استبدال مبدأ “الأخوة الإنسانية” لتصير “الأخوة الإيمانية”.
– الصف العاشر: الصفحة 20 استبدال “ومن يفعل واحدة من هذه الكبائر مستحلاً لها فجزاؤه في الآخرة” لتصير “… مستحلاً لها كفر وجزاؤه في الآخرة النار”.
– الصف الحادي عشر: الصفحة 83 “الالتزام بالشرع والقانون” جرى حذف كلمة القانون!.
– صف البكلوريا: الصفحة 17 استبدال كلمة “الأديان السماوية” بـ “الشرائع السماوية”.
** كتب اللغة العربية:
– الصف السابع تم حذف درس “الأوابد التاريخية” الذي يحكي عن الحضارة السورية القديمة وفيه ذكر لتدمر وزنوبيا.
– البكلوريا الأدبي: الصفحة 42 و 78 حذف لعبارات ” جور العثمانيين” و”في ظل سلطة عثمانية غاشمة” .
** كتب العلوم:
– الصف الأول: الصفحة 52 تغيير عبارة “عطاء الطبيعة” لتكون “عطاء الله.”
– الصف الثامن: حذف درس أصل الحياة وتطورها على الأرض.
– صف البكلوريا العلمي: حذف كامل للوحدة الرابعة “أصل وتطور الحياة” وبالصفحة 12 حذف فقرة “تطور الدماغ” بشكل كامل.
** كتب التاريخ:
– حذف دروس كاملة، وفقرات تخص تاريخ سوريا والمنطقة قبل الإسلام منها فقرة الصباغ الأرجواني بكتاب الصف السابع (اللون الذي اكتشفه أجدادنا الفينيقيون وتبنيناه كلون نستخدمه) وفقرة “اللغة الهيروغليفية” فضلاً عن حذف بعض الصور ومنها صورة مسلة بابلية “مسلة الإله مردوك”.
– كتاب العاشر البكلوريا الأدبي: حذف كامل لفقرة “مدونة حمورابي”، وحذف فقرة “الآلهة الإغريقية”، وكل الدروس التاريخية عن “الآلهة الكنعانية والآرامية” وكل الصور الموجودة مع إبقاء صورة وحيدة هي صورة “المسجد النبوي”.
– كتاب البكلوريا الأدبي: حذف عبارة “إعدام قادة الحركة الوطنية في السادس من أيار عام 1916” صفحة 58.
هذه الفقرات تمثل الجزء المحدود من الكل المخيف؛ الذي يُعبر عن النمط “الفاشي المتأسلم” سياسوياً في سعيه لتثبيت “الإيديولوجية الكهفوية”؛ والتي لا تنتمي إلى الدين الإسلامي الحقيقي؛ القائم على قاعدة (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وكذلك (لكم دينكم ولي دين). إذ أن هذا الدين الإلهي يتضمن قاعدة الحرية المطلقة في القناعات بانتظار يوم الحساب.
الأمر بوضوح أن سوريا المنتكبة راهناً ستمثل لاحقاً أنموذجاً مخيفاً لتطبيق المتخيل الوهمي لفكر “الجماعة الساعاتية” بكل ما هو معروف عنها من عداء للأوطان وتاريخها؛ ودولها وأنظمتها وجيوشها؛ لكي تتمكن من الركوب على أكتاف الأمة وهي تقيم “مشروعها الصهيوماسوني” منذ وضع أساساته حسن الساعاتي البناء.