مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: (قامات مصرية) سميرة موسى – 10

السلاح النووى كان هدفا رئيسيا فى المخطط الصهيوتى لإقامةدولة إسرائيل ، ولذلك سخرت كل مجهوداتها لتحقيق هذا الخيار ،ولم تقتصر على ذلك بل بذلت جهودا كبيرا لحرمان دول الشرق الأوسط من الحصول عليه .وفى الماضى القريب نتذكر جميعا تدمير المفاعل النووى العراقى بواسطة سلاح الجو الإسرائيلى ،ولكنها بدأت الحرب مع مصر فى هذا المجال مبكرا جدا وبأسلوب مختلف ، حيث خططت لحرمانها من كفاءاتها العلمية بالإغتيالات ،كما حدث مع الدكتور مصطفى مشرفة ويحيى المشد وإغتيال أول عالمة ذرة فى مصر سميرة موسى ،أو كما أطلق عليها ” ميس كورى الشرق ” فى 15 أغسطس 1952م بأمريكا . وكانت تأمل فى أن يكون لمصر والوطن العربى مكانا وسط التقدم العلمى الكبير فكانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووى تسهم فى تحقيق السلام وأن أى دولة تتبنى فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة .
تبدأ قصة سميرة موسى من قرية سنبو الكبرى مركز زفتى محافظة الغربية حيث ولدت بها فى 3 مارس 1917م .تعلمت منذ الصغر القراءة والكتابة وحفظت أجزاء من القرآن الكريم ،فكانت تتمتع بذاكرة فوتوغرافية تؤهلها لحفظ الشئ بمجرد قراءته .
لاحظ والدها تلك الموهبه ،فانتقل بها إلى القاهرة من أجل تعليمها ، فاشترى بجزء من أمواله فندقا بحى الحسين حتى يكون مصدر دخل للإنفاق على تعليمها ، فالتحقت سميرة بمدرسة قصر الشوق الإبتدائية ثم مدرسة الأشراف الثانوية الخاصة والتى أسستها وتديرها الرائدة المعروفة نبوية موسى .
حققت سميرة تفوقا فى جميع مراحل التعليم ، وكانت الحكومة المصرية خلال تلك الفترة تقدم معونة للمدرسة التى يتخرج فيها الأول على القطر المصرى ، لذلك اشترت نبوية موسى مديرة وصاحبة المدرسة معملا خاصا عندما سمعت أن سميرة موسى تنوى الإنتقال إلى مدرسة حكومية يتوافر فيها معمل ، فاستمرت سميرة بتلك المدرسة إلى أن حصلت على الشهادة التوجيهية وكانت الأولى على القطر عام 1935م . من مؤشرات نبوغها أنها أعادت صياغة كتاب الجبر الحكومى فى السنة الأولى من المرحلة الثانوية وطبعته على نفقة والدها الخاصة ووزعته بالمجان على زميلتها عام 1933م .
على الرغم من تفوقها وحصولها على مجموع يؤهلها للإلتحاق بكلية الهندسة ، إلا أنها اختارت الإلتحاق بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول “القاهرة” ،وتتلمذت على يد أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة وكان أول مصرى يتولى عمادة كلية العلوم ، تأثرت سميرة به علميا وشخصيا ،وبعد حصولها على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها ، عينت معيدة بالكلية ،وما كان ذلك ليتحقق إلا بعد مساندة د. مشرفة الذى هدد بالإستقالة إذا لم يتم تعيينها معيدة وذلك بعد رفض مجلس الجامعة والأساتذة الإنجليز بالكلية على تعيينها معيدة لكونها إمرأة ،مما استدعى عقد إجتماع لمجلس الوزراء تقرر بعده تعيينها معيدة .
حصلت سميرة موسى على الماجيستير وموضوعه “التواصل الحرارى للغازات” ثم سافرت فى بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووى وحصلت على الدكتوراة فى الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة ،واستطاعت إنجاز رسالتها فى سنتين وقضت السنة الثالثة فى أبحاث مستمرة توصلت من خلالها إلى معادلة مهمة ، لكنها لم تحظ باهتمام أو قبول العالم الغربى فى ذلك الوقت ، أما المعالدلة فى خاصة بالتمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ، ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون فى متناول الجميع ، لكن الكتب العلمية العربية لم تدون الأبحاث التى توصلت إليها .
الدكتورة سميرة موسى وهى أول امرأة عربية تحصل على الدكتوراة فى هذا المجال ،كانت تأمل فى أن يكون لمصر والعالم العربى مكانا وسط التقدم العلمى الكبير فكانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووى تسهم فى تحقيق السلام وأن أى دولة تتبنى فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة .
اهتمام إسرائيل المبكر بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للإنفراد بالتسلح النووى بالمنطقة ،أثار انتباهها وإدراكها أهمية هذا السلاح ،فرأت ضرورة دراسة الذرة فى مصر ، فبعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948م، قامت سميرة موسى بتأسيس هيئة الطاقة الذرية ، وحرصت على ايفاد البعثات للتخصص فى علوم الذرة ،وكانت أول من دعت إلى أهمية التسلح النووى ،فنظمت مؤتمر”الذرة من أجل السلام ” الذى استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم . كانت أيضا تأمل فى أن تسخر الذرة لخدمة الطب ويصبح العلاج بها كالأسبرين ، فقالت : أمنيتى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين . وكانت د. سميرة عضوا فى كثير من اللجان العلمية المتخصصة منها” لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية” التى شكلتها وزارة الصحة المصرية .
سافرت د. سميرة موسى إلى بريطانيا ُثم أمريكا لتدرس فى جامعة “أوكردج” بولاية نيس الأمريكية ولكنها لم تنبهر ببريق أمريكا فقالت فى رسالة لوالدها ” ليست هناك فى أمريكا عادات وتقاليد كتلك التى نعرفها فى مصر ، يبدو أن كل شئ ارتجالى ،فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب ، الكثير منهم جاءوا إلى هنا لا يحلمون شيئا على الأطلاق ، فتصرفاتهم فى الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من ينتقده لأنه غريب “.
لم تقتصر إهتمامتها على الدراسات العلمية فقط ، فكان لها أنشطة اجتماعية ،فقد شاركت فى مشروع القرش لإنشاء مصنع للطرابيش وكان د.مشرفة من المشرفين عليه ،كما شاركت فى جمعية الطلبة للثقافة العامة وكانت تهدف إلى محو الأمية فى الريف المصرى كما انضمت لجمعية النهضة الإجتماعية لجمع التبرعات لمساعدة الأسر الفقيرة ،وعضوا بجمعية إنقاذ الطفولة ، وتبرعت للمركز القومى للبحوث بمكتبتها المتنوعة من الكتب والأبحاث العلمية إلى جانب الكتب الأدبية والتاريخية .
فى عام 1952م استجابت د. سميرة موسى لدعوة للسفر إلى أمريكا ، فقد أتيحت لها فرصة إجراء بحوث فى معامل سان لويس بولاية ميسورى ،وخلال تلك الزيارة تلقت عروضا للبقاء فى أمريكا ولكنها رفضت وفضلت العودة إلى مصر ،وقبل سفرها بأيام لبت دعوة لزيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا ،وفى الطريق ظهرت فجأة سيارة نقل لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقى بها فى واد عميق وقفز السائق من السيارة . أوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لإصطحابها فى هذه الرحلة .
أشارت كل الدلائل – وفقا للمراقبين – إلى أن الموساد والمخابرات الإسرائيلية هى التى اغتالتها جزاء محاولتها نقل العلم النووى إلى مصر والوطن العربى خلال تلك الفترة المبكرة .

زر الذهاب إلى الأعلى