مايسة السلكاوى تكتب: الزهرية .. الحديقة الأم
أثار مشروع تطوير حديقة الزهرية بالزمالك جدلا طويلا طوال الأسبوع الماضى ، ولأول مرة نشهد تحركا برلمانيا لوقف تنفيذ المشروع ، على أن يتم من خلال لجنة متخصصة لترميم الحديقة التراثية . هذا التحرك السريع من نواب الشعب يبعث الأمل فى إمكانية الحفاظ على التراث التاريخى الذى تمثله حدائق مصر ، خاصة وأن حديقة الزهرية واحدة من أهم الحدائق التاريخية المتبقية حتى الآن . وكان قد تم ضمها بالفعل لقائمة المبانى والمنشآت ذات الطابع المعمارى المميز .
يكفى حجم التعديات التى تمت على هذه الحديقة منذ خمسينات القرن الماضى ، فتقلصت مساحتها من 49 فدانا إلى 8 أفدنة فقط هى مساحتها الآن . فعليها أنشئت كلية التربية الرياضة ومركز شباب الجزيرة ومدرجات النادى الأهلى وأخيرا برج القاهرة 1964م .
ويكمن سبب الإنزعاج الشديد لدى الكثير من المصريين من فكرة تطوير الحديقة ، لأن مفهوم التطوير حاليا يعنى إزالة الكثير من الأشجار النادرة القيمة واستبدال المساحات الخضراء بمسطحات أسمنتية يعلوها العديد من الكافيهات والمطاعم والمحلات ، مثلما حدث عند تطوير حدائق أخرى . وأتصورأن مفهوم التطوير هذا من الممكن أن يكون إضافة لمناطق حديثة أو لا تحتوى على أثر تاريخى له طابعة الخاص ، كما حدث فى منطقة الفسطاط حيث تم إحياء “عين الصيرة ” والمنطقة المحيطة بها بعد إهمال دام لسنوات طويلة لدرجة محو معالمها ، فمن الأفضل الحفاظ على الهوية التاريخية لكل ماهو قديم وذو قيمة تراثية لأنه الشاهد على تارخنا وحضارتنا للأجيال القادمة . فمن ليس له ماضى لن يكون له مستقبل .
حديقة الزهرية هى إمتداد للحدائق المحيطة بقصر الجزيرة بالزمالك والتى بلغت مساحتها 600 فدان .عهد الخديو إسماعيل سنة 1868م إلى مسيو دوشان ومسيو جابى من أشهر خبراء الحدائق فى العالم فى تلك الفترة مع ديشوناليرى منسق الحدائق الخديوية لإنشاء حديقة لإكثار وأقلمة النباتات والأشجار الإستوائية لتتمكن من البقاءفى المناخ المصرى ، فكانت هذه الحديقة ، لذلك تعتبر الزهرية الحديقة الأم التى أخذت منها نباتات الأشجار الموجودة فى شوارع القاهرة والأسكندرية ، والتى مع الأسف تم إقتلاع الكثير منها تحت مسمى التطوير . و من أشهر هذه الأشجارالمودودة إلى الآن ، نشاهدها جميعا فى وسط الطريق الذى يشق حديقة الزهرية مؤديا إلى برج القاهرة وهى شجرة التين البنغالى أضخم وأعرق شجرة فى مصر يتعدى عمرها 150 سنة .
لم يكن الخديو إسماعيل حين خطط مصر المحروسة ، من خلال المهندس المصرى على باشا مبارك ، يريد فقط بناء القاهرة على نمط معمارى جديد ، لكنه أراد أن يجعلها نسيجا عمرانيا يتم تخطيط بطريقة مميزة تمتد عبر مساحات واسعة تتداخل فيها المبانى بالحدائق ،ولاحظنا ذلك فى كثير من المناطق مثل الأزبكية حيث حديقة الأزبكيةوالزمالك فحدائق الزهرية والأسماك وحدائق سراى الجزيرة والجيزة حيث حديقة الأورمان والتى كانت توأما لحديقة ريجينس بارك فى لندن بنفس التصميم .
فى كتابه ” حدائق القاهرة ومتنزهاتها ” يشير ” ديشوناليرى” منسق الحدائق الخديوية إلى أنهخلال عام واحد تم زراعة مليون شتلة نادرة من شتى أنحاء العالم منها النخل الملكى و الأكاسيا من جنوب مصر ،وشتلات الفانيليا واللاتانيا والتمر الهندى والمطاط والتين وشجر التوت الأبيض وشجر الجميز المعروف بشجرة الفراعنة بخلاف أنواع الزهور النادرة . ووسط هذه الأشجار نافورة من الرخام الأبيض وكهف صخرى مزود بشلالات مياه وبحيرة صناعية . وفى الجزء الغربى من الحديقة تم بناء 40 مشتلا لزراعة الأوركيد والأناناس والموز وبعض الفاكهة الإستوائية الأخرى .
وذكر أيضا أنه قرر أن يحول جزء من مياه البحيرة الصناعية إلى بركة صغيرة لتربية الأوز العراقى الأسود النادر والبجع الأفريقى والأوز الحبشى والبط ، كما كان بالحديقة ، حديقة حيوان تضم الأسود والنمور والفهود والغزلان والزرافات والنعام وأنواع أخرى من الحيوانات وفى سنة 1914م زرعت بها أول أصناف زهور الأراولة وقد أقيم لها أول معرض بفندق سميراميس افتتحه السلطان حسن كامل 1915.
هكذا كانت الحديقة وقت إنشائها ولسنوات طويلة ، إلى أن تم تعديل فى تخطيطها سنة 1930م بأيادى مهندسين مصريين منهم إبراهيم ومصطفى محرم . استمرت الحديقة على حالتها إلى أن طالها الإهمال والتعدى علي مساحتها أوائل خمسينات القرن الماضى فلم يتبقى من المليون شجرة إلا عدد بسيط جدا نحو 150 شجرة وتقلص عدد العاملين بها ، ثم أعيد الإعتناء بها وتم رفع كفاءتها مع زيادة العاملين بها وفتحت للزيارة .
سميت حديقة الزهرية بهذا الإسم لإنشائها بموقع مشتل الزهور التى كانت تستعمل لتنسيق الزهريات وموائد الحفلات وتجميل القصورالخديوية .
نأمل من الله الحفاظ على ماتبقى من الحديقة الأم وتكون بمنأى عن التطوير .