د. أماني فاروق تكتب: من الخيال إلي الواقع: لبنان في مرمي حروب المستقبل
لا تزال لبنان تعاني من جروح عميقة بعد سلسلة من التفجيرات التي هزّت العاصمة بيروت، ومنها تفجير “البيجر” الأخير الذي كشف عن عواقب جديدة للصراعات الحديثة. هذه الأحداث ليست مجرد انفجارات عابرة، بل هي جزء من نمط حروب جديد يعكس تحولاً خطيراً في كيفية إدارة النزاعات على الساحة العالمية، حيث أصبحت التكنولوجيا اللاعب الرئيسي في مشهد حروب الجيل الرابع والخامس.
من هذا المنطلق، يمكن القول إننا نعيش مرحلة جديدة من الحروب. فبعد أن كانت الصراعات تعتمد في الماضي على الجيوش والأسلحة التقليدية، نجد اليوم أننا أمام نوع مختلف من الحروب. حروب الجيل الرابع والخامس لا تُخاض بالأسلحة وحدها، بل تُدار عبر الفضاء السيبراني، وسائل الإعلام، والهجمات الإلكترونية. هذا التحول يجعلنا نعيد النظر في مفهوم الحرب نفسه، وكيف تغيرت أدواتها وأساليبها. فالتفجيرات التي شهدتها لبنان، على سبيل المثال، لم تعد محصورة في دائرة النزاعات التقليدية، بل هي نتيجة لاستراتيجيات متطورة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال دور التكنولوجيا. من جهة، تُعد التكنولوجيا اليوم العمود الفقري للعالم الحديث، إذ إنها تساهم في تحسين حياتنا بشكل كبير. ولكن من جهة أخرى، تحولت هذه الأداة إلى سلاح مزدوج. فالتكنولوجيا التي كانت مجرد خيال علمي في الماضي أصبحت الآن واقعاً ملموساً، تستخدم في الحروب والهجمات الإلكترونية التي تستهدف المجتمعات والبنى التحتية. لذلك، فإن النظر إلى التكنولوجيا كسلاح ذو حدين أصبح ضرورة ملحة، حيث يمكن استخدامها لخدمة الإنسان، كما يمكن توظيفها لتدميره.
على ضوء ذلك، تظهر تساؤلات مهمة حول الأخلاقيات المرتبطة باستخدام التكنولوجيا في الحروب. هنا تتداخل السياسة مع الأخلاق، ويصبح السؤال الأساسي: كيف يمكن وضع ضوابط أخلاقية لاستخدام التكنولوجيا في النزاعات؟ ولعل التطورات التكنولوجية في الحروب تطرح تحديات جديدة على القانون الدولي الإنساني، إذ لا بد من إعادة صياغة القوانين بما يتناسب مع هذه التحولات. فكما أن التكنولوجيا تطورت، يجب أن تتطور معها معايير الأخلاق الدولية.
استناداً إلى ما سبق، يصبح من الضروري التفكير في كيفية تجنب المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا في الحروب. لا يمكن أن يكون الحل محصوراً في الجانب التقني فقط، بل يجب أن يتضمن التعاون الدولي لوضع معايير وضوابط تحكم هذا الاستخدام. كما أن تعزيز الوعي العام بأهمية استخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي يمكن أن يشكل جزءاً من الحل. ولعل الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا يمكن أن يكون السبيل إلى تجنب هذه المخاطر، فهناك العديد من المبادرات التي تسعى لتوجيه هذه القدرات نحو تعزيز السلام وحل النزاعات بطرق مبتكرة وسلمية.
في النهاية، لا بد من التأكيد على أن الخيال العلمي الذي طالما أسر خيال الكتاب والمفكرين لم يعد مجرد خيال، بل أصبح واقعًا. هذا الواقع يضعنا أمام تحديات أخلاقية وتكنولوجية غير مسبوقة، تتطلب منا التفكير مليًا في كيفية توجيه هذه الأدوات لصالح البشرية. يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكننا توجيه هذا “الخيال” ليصبح أداة للسلام والاستقرار، أم سيظل خطرًا يهدد مستقبلنا؟
—-
مدير مركز التدريب والتطوير
مدينة الإنتاج الإعلامي