مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: عن الخوف الثقافي وإستبعاد الآخر

هل تلعب الثقافة دوراً ما بعينه في سياق ونطاق شيوع وذيوع الخوف؟ المؤكد أن هناك علاقة جذرية بين قبول التعددية الثقافية أو رفضها، فالقبول بمثل هذا التنوع، هو غنى في حد ذاته، كفيل بأن يطرد الخوف خارجاً، أما الإنكفاء على الذات فحكماً سوف يولد مسارات الخوف، ويعلي من صيحات الإنعزالية، وإغلاق الأبواب في وجه المغاير ثقافياً.
​أحد أفضل المفكرين العرب الذين واجهوا ظاهرة الخوف الثقافي برؤية تحليلية عميقة، هو الناقد والكاتب السعودي الدكتور “عبدالله الغذامي”، والذي يؤكد على ان الخوف الثقافي يحرمنا إيجابيات حضارة الآخر. حديث الدكتور الغذامي في واقع الحال يمكن تطبيقه على الشرق والغرب دفعة واحدة، وعنده أن أكبر خلل يمكن أن يعاني منه شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، الشعور بأن هناك مؤامرة فكرية وثقافية، إلى جانب الإستهداف السياسي تحاك ضده.
​هذا الخوف هو الذي يجعل المرء يتقوقع ويبتعد عن غني مكون فكر الثقافات الأخرى، ومن ثم يأخذ البعض في الشعور بدور الضحية، ويتحول الفعل معه إلى ردود فعل غير منتجة، وهذا ما يقودنا إلى دوائر الرهاب الإنسانوية إن جاز التعبير.
​ولعل الولايات المتحدة كمجتمع متقدم تقنياً، يعطينا مثال على الأكلاف العالية والغالية للخوف من الآخر، إذ تبدو هناك مفارقة كبرى في حال ومآل الأمريكيين بين الماضي والحاضر.
​عُرف الأمريكيون بأنهم شعب نشأ في حاضنة يطلق عليها “بوتقة الإنصهار”، بمعنى أن جميع المهاجرين إليها، قد جمعهم وعاء حضاري واحد، وقد كان الآباء المؤسسون لأمريكا يدركون أهمية التنوع والتعددية الثقافية، تلك التي أثرت أمريكا من خلال تنافح وتلاقح العقول والثقافات على أرض كنعان الجديدة، كما أطلق عليها.
​هذا المشهد قد لا يكون قائماً اليوم، سيما وأن أصوات أمريكا الإنعزالية هي الأعلى والأكثر ضجيجاً، فلم يعد يعني أمريكا أن تكون شرطي العالم أو دركه، وبالتالي لم يعد يعنيها أن يكون نموذجها الثقافي المتجانس هو الأكثر سيادة وريادة، ومن هنا يبدو الآخر خصماً من حسابات التعددية وليس إضافة بناءة لها.
​سر من أسرار الخوف من الآخر ربما يكون موصول بالسماوات التي أنفتحت والخوف من حالة الانثقاف بين الأمم والشعوب أي دخول ثقافات بأكملها على شعوب لا قبل لها بالآخر، او تخشى من مقارعته، والخشية هنا تبدأ من الثقافة والاقتصاد، وتمضي إلى حدود العسكرة والحروب.
​في هذا الإطار يدفعنا الخوف إلى التفكير في إيجاد طرق لحماية الذات، إنها نظرية “المأذنة والمنارة” التي تحدث عنها الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق الراحل الدكتور بطرس غالي، والذي اشار في أحد مؤلفاته إلى أن الخوف من الآخر الذي تقاطع مع طريقيا فجأة، من جراء السماوات التي أنفطرت، وبفضل وسائل التواصل الإجتماعي، التي جعلت العالم قرية على أطراف الأصابع، هو الذي سيدفع إلى التقوقع والإحتماء بالرموز الدينية التي تمثل الثوابت في عالم سريع التغير.
​من هنا يتحول الخوف إلى تعصب، يتستر بحجة حماية الذات والخشية عليها مما ينعت بالذوبان، أو التفكك، أو التلوث، أو الاحتواء، إنه الخوف المعرفي، الذي يولد الكراهية، وربما يولد منها بنفس القدر.
هل من علاج لظاهرة الخوف المرضي، والتي تكاد تصيب العالم بحالة من الشلل الثقافي والمعرفي ؟
المؤكد أن العالم في حاجة إلى مزيد من الجدران، وليس الجسور، في حاجة إلى فرح اللقاء ، والإنعطتف على الأخر المغاير ، ضمن رؤية كوسمولوجية، ترى الكون برمته معينا واحدا، صب فيه الجميع حال الفيض، وإغترف منه البعض الأخر حال الجدب .
لا حياة من دون الأخر، فلا يقدر على الوحدة سوى إله أو شيطان كما قال نيتشه ذات مرة .

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Chat Icon