مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : ضربات الجزاء القاتلة..سعيد اليوم كئيب الغد

حفلت بطولة الأمم الإفريقية الأخيرة بمفاجآت كثيرة تركزت معظمها في ضربات الجزاء الترجيحية التي أطاحت بمنتخبات كبيرة وعريقة في اللعبة داخل القارة، ومنها بطبيعة الحال خروج منتخب الفراعنة بعد خسارته مباراته مع الكونغو بسبب ضربات الجزاء الترجيحية أو التي يطلق عليها ضربات الحظ، أو ضربات القتل البطئ.
وأخر هذه المفاجآت خروج منتخب جنوب إفريقيا أمام نظيره النيجيري، بسبب تألق حارس المرمي وإخفاق لاعبي ”الأولاد“ من التركيز في تسديد الضربات وبالتالي توديعهم البطولة من دور الأربعة..وكانت المباراة الأهم هي ساحل العاج التي فازت فيها بضربات الترجيح أمام منتخب السنغال الذي أخفق لاعبوه في تسديد الكرات بسبب براعة حارس منتخب كوت ديفوار.
ولكن لماذا الحديث عن ضربات الترجيح في هذا التوقيت، مع أن وقائع مباريات بطولات العالم المختلفة مليئة بالأحداث والمفاجآت الكروية خاصة ضربات الترجيح، وبالمناسبة هي التي أطاحت بمنتخب الفراعنة في بطولة الأمم الإفريقية ٢٢ أمام السنغال، ثم أخرجته أمام نفس المنتخب أيضا في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم الأخيرة التي تأهل فيها المنتخب السنغالي بقيادة ساديو مانيه.
المعروف أنه عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، فإن ضربات الجزاء الترجيحية تجلب معها الكثير من الإثارة والتوتر، فعلى الرغم من أنها تعتبر فرصة لتسجيل هدف سهل نسبيا، إلا أن الضغط النفسي الذي يتعرض له اللاعبون خلال هذه اللحظات يمكن أن يجعل هذه الضربات صعبة للغاية. وتعود صعوبة ضربات الجزاء الترجيحية بسبب عوامل عدة، منها الضغط النفسي الهائل الذي يتعرض له اللاعبون خلال هذه اللحظات المهمة، فاللاعب يكون متوترا للغاية ويشعر بالمسئولية الكبيرة لتحقيق هدف لفريقه وتقديم أداء جيد أمام الجماهير والمشجعين. وربما يكون هذا الضغط النفسي مرهقا على المستوى العقلي والجسدي، ويؤثر على تركيز اللاعب وقدرته على تنفيذ الضربة بشكل صحيح.
الأمر لم يعد يعتمد على اللاعب فقط والفريق والمدير الفني، ولكن أصبح رهينة للدراسات الرياضية والنفسية، بالضغط النفسي يلعب دور في تحضير اللاعب البدني وبالتالي يشكل صعوبة ضربات الجزاء الترجيحية. فاللاعب الذي يمتلك تقنية جيدة في تنفيذ الضربات ومهارات فردية متقنة، سيكون لديه ميزة أكبر في التعامل مع هذه الضربات المهمة. وعلى العكس، اللاعب الذي يعاني من ضعف في التقنية أو الثقة بنفسه قد يواجه صعوبة أكبر في تحقيق الهدف.
ولهذا.. شهدت هذه القضية اهتماما كبيرا من قبل الباحثين والعلماء في مجال علم النفس الرياضي. تمت دراسة تأثير الضغط النفسي والتركيز والتحضير النفسي والتقنية الفردية على أداء اللاعبين في ضربات الجزاء الترجيحية، أظهرت الدراسات أن اللاعبين الذين يمتلكون مهارات عالية في التحكم النفسي والتركيز يتمتعون بقدرة أكبر على تنفيذ الضربات بنجاح. كما تشير بعض الدراسات إلى أن اللاعبين الذين يتمتعون بثقة عالية في قدراتهم الشخصية والفنية يمكن أن يكونوا أكثر استقرارا عند تنفيذ ضربات الجزاء الترجيحية. يعتبر التحضير النفسي والتصور الإيجابي للنتيجة المرغوبة أثناء تنفيذ الضربة أيضا عنصرا مهما يمكن أن يؤثر على أداء اللاعب.
وهناك دراسات اكتشفت عناصر أخرى قد تؤثر في صعوبة ضربات الجزاء الترجيحية، مثل العوامل الجوية مثل سرعة الرياح أو حالة الملعب. ومن المهم أيضا النظر إلى العوامل النفسية والتكتيكية التي يستخدمها حارس المرمى لإثارة التوتر والضغط على اللاعب الذي ينفذ الضربة.
باختصار، يُمكن القول أن ضربات الجزاء الترجيحية تعتبر صعبة على اللاعبين بسبب الضغط النفسي الذي يتعرضون له والتحكم الدقيق المطلوب في تنفيذ الضربة. وتتأثر صعوبتها بعدة عوامل، بما في ذلك الثقة الشخصية، والتركيز، والتحضير النفسي، والتقنية الفردية. تستمر الدراسات في توسيع فهمنا لهذا الموضوع المهم في علم النفس الرياضي، مما يساعد اللاعبين والمدربين على تحسين أدائهم في ضربات الجزاء الترجيحية.
وثمة دراسة بعنوان ”تأثير التحضير النفسي على أداء ضربات الجزاء الترجيحية للاعبي كرة القدم“ قام بها فريق من الباحثين في علم النفس الرياضي، لبحث فهم كيف يمكن للتحضير النفسي أن يؤثر على أداء اللاعبين في هذه الضربات المهمة. شارك في الدراسة عينة من اللاعبين المحترفين الذين يمارسون كرة القدم على مستوى عالٍ، و تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة تلقت تدريبا مكثفا على التحضير النفسي قبل تنفيذ ضربات الجزاء الترجيحية، ومجموعة أخرى لم تتلق هذا التدريب.
استمرت الدراسة على مدار عدة أسابيع، حيث قامت المجموعتان بتنفيذ ضربات الجزاء الترجيحية في ظروف محاكاة للمباريات الحقيقية. تم تسجيل نسبة النجاح والأخطاء في تنفيذ الضربات، وتم تسجيل بيانات إضافية مثل مستوى التوتر والثقة خلال تنفيذ الضربات.
بعد تحليل البيانات ومقارنة النتائج، أظهرت الدراسة أن المجموعة التي تلقت تدريبا مكثفا على التحضير النفسي قبل ضربات الجزاء الترجيحية حققت نسبة نجاح أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بالمجموعة التي لم تتلق هذا التدريب. ولاحظ الباحثون أن اللاعبين الذين خضعوا للتحضير النفسي كانوا أكثر استقرارا وثقة خلال التنفيذ، و أظهروا تحسنا في التركيز والتحكم النفسي.
توصلت الدراسة إلى أن التحضير النفسي يلعب دورا مهما في أداء اللاعبين في ضربات الجزاء الترجيحية، إذ يساعد التحضير النفسي على تهدئة اللاعبين وزيادة ثقتهم في قدراتهم وقدرتهم على التصدي للضغوط النفسية. وبالتالي، يمكن أن يؤدي التحضير النفسي إلى تحسين الأداء وزيادة احتمالية تنفيذ ضربات الجزاء الترجيحية بنجاح.
أما أمثلة ضربات الجزاء التي أطاحت بفرق ومنتخبات وأسعدت آخرين فهي كثيرة، ويصعب حصرها، ولكن الأهم فهناك ضربات ترجيحية تسعد شعوب أخرى تصيبها بغم وكآبة..والكاس كما يقول المثال ”دوار“، أي أن يمر على الجميع، فمن يفرح اليوم سيصاب بغم غدا وهكذا هي الأيام.
المشكلة أن هناك بعض مسئولي الاتحادات الكروية لا يزالون يمارسون ”الدجل“ عند إعداد منتخباتهم للبطولات الكبرى، ويبتعدون تماما عن الدراسات الحديثة سواء الرياضية والبدنية أو النفسية لتأهيل اللاعبين أولا للبطولة وإعدادهم للتحدي والصلابة في الأداء، فهم يمثلون وطن وشعب وليس أنفسهم ولا اتحادهم ولا من يعمل وراءه في الخفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى