مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب : لماذا يريدون إفشال مصر – 3

لا يمكن أن تنجح مؤامرات الخارج في إفشال مصر، وتدمير مشروعات الجمهورية الجديدة ، وتعطيل خطط التنمية في كل المجالات بدون أن يكون لها ظهير في الداخل ، ويكون ذلك الظهير مفتاحا أساسيا في تعطيل روافد الحياة السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية ويصنع مجموعة من المعارك المتتالية والمتسارعة مع طواحين الهواء حتى يستهلك القوة الحقيقية للوطنيين الذين يدافعون عن البلد وينتمون إليها ويشتت جهود المخلصين منهم ، ويزرع داخل الفضلاء منهم بحورا من اليأس والإحباط والفشل ، وسلاحهم في ذلك تجريف منابع المعرفة الحقيقية ، وتجهيل المجتمع ، والتسفيه من أصحاب العلم والثقافة والمعرفة والخبرة ، وتغيير معادلات الحلم والطموح لدى الشباب من خلال تغيير روح المنافسة الحقيقية القائمة على العدل والموهبة والنبوغ والمساواة وتكافؤ الفرص إلى معادلات الواسطة وشبكات العلاقات الاجتماعية مع تغيير بوصلة الطموح لدى الشباب من الرقي إلى الفن الهابط والثراء السريع والثقافة السطحية التافهة والاهتمام بأنواع معينة من  الرياضة على حساب رياضات أخرى تلتقي مع شبكات كبيرة وضخمة من المصالح والعلاقات والمكاسب الباهظة والمناصب الدولية الفاخرة ونتيجة لتغلغل هذا الظهير الفاسد في شتى نواحي الحياة والمجتمع وجدنا أحد كبار الشعراء في مصر يتسول ثمن العلاج من المرض والأخر يمرض ويذهب إلى المستشفى ويحاول أصدقائه أن يجمعوا له تكاليف العملية الجراحية العاجلة وهم يصارعون الوقت ولكن الشاعر والأديب الكبير يموت في المستشفى ، ووجدنا أحد الشعراء والأدباء الكبار والذي يقيم في صعيد مصر لا يشارك في الندوات والمؤتمرات الأدبية في القاهرة وبقية المحافظات الأخرى خوفا من أسعار تذاكر القطار لأنه وبكل صراحة وألم وحزن لا يمتلك ثمن تذكرة القطار من محافظته إلى المحافظة الأخرى وجدنا بعض الشعراء والأدباء وأصحاب الموهبة والعلم يعملون في بعض المقاهي لكي يصرفوا على حياتهم وعلى أسرهم وجدنا قصور الثقافة في مراكز المدن والمحافظات وكأنها بيوتا خاوية على عروشها وجدنا أندية الأدب والثقافة في المدن والمراكز وهي تحاول جاهدة أن تضع نفسها على أجهزة التنفس الصناعي لكي تتمسك بما تبقى لها من خيوط الحياة وهي تجمع المال القليل اليسير لكي تصرف على ندوة أدبية أو أمسية شعرية وجدنا أصحاب الصالونات الثقافية من كبار السياسيين والمفكرين والشباب والشخصيات العامة وهم يحاولون بجهودهم الشخصية أن ينشروا الوعي والثقافة والارتقاء بالمجتمع بجهود ومبادرات شخصية . أي ظلم هذا واي حزن ذلك الذي يحدث.  شاعر وأديب يمرض ويتسول له أصحابه ثمن وأجرة العملية الجراحية ، أي ألم ذاك حينما ترى أحد كبار الشعراء والأدباء وهو لا يمتلك ثمن تذكرة القطار وتكاليف السفر إلى القاهرة أي حزن ذاك حينما ترى أحد الشعراء والأدباء وهو يعمل في مقهى لكي يحاول أن يخفف عن نفسه تكاليف الحياة أي ظلم ذاك حينما ترى أحد الشعراء والأدباء وأصحاب الموهبة وهو لا يجد ثمن العلاج والدواء كل ذلك الألم وكل ذلك الحزن وكل هذه البشاعة في الظلم وأنت ترى ظهير الفساد وذراع المؤامرات وهو يقيم الحفلات الفارهة وينفق ببذخ وسفه على المهرجانات الفارغة ويبنى أصحاب الفن الهابط الرخيص شاهدنا ظهير الفساد وهو يقيم الجسور الهشة بينهم وبين منافذ وقنوات الدولة الرسمية وأنت ترى ظهير الفساد وذراع المؤامرات وهو يحاول جاهدا أن يجرف أرض مصر الطاهرة النقية من زهورها وورودها العطرة الفواحة ويزرع بدلا منها نباتات هجينة فاسدة تفسد الأرض والشجر والبشر وأنت ترى ظهير الفساد وذراع المؤامرات وهو يحاول أن يعمل على تفريغ البلاد من الموهبة والكفاءة ويضع مكانها مسوخا مشوهة أفسدت الذوق وشوهت الحس والشعور واساءت للعظماء في مجالهم وعبر تاريخهم الطويل وصنعت من المتكسبين منهم وفقراء الموهبة والعطاء سلعة تباع وتشترى تقف على المسارح وأمام شيوخ المال والثراء تبيع كرامتها وتهين أدميتها وتسيء لبلادها من خلال استعراضات هزيلة ونفاق رخيص .

 وخلال كل هذه السنوات الطويلة الماضية لم يحاول أحد من أعضاء هذا الظهير الفاسد أن يقتحم مناجم الذهب في كل ربوع مصر ليجدد روافد وشرايين الحياة الثقافية والرياضية والفنية والدينية والسياسية فوجدنا البلاد وقد أصيبت بتصلب الشرايين في مواهبها وكفاءاتها وانسداد الأوعية في مجالات الثقافة والفن والسياسة والرياضة والدين والمجتمع حتى وصل بنا الحال إلى ضرورة اللجوء إلى عملية زراعة قلب جديد.

ولم يكن الانفتاح الاقتصادي الذي حدث خلال عصر الرئيس الراحل السادات بعيدا عن كل هذه المعادلة المتشابكة والمعقدة فمن خلال انفتاح السداح مداح تكونت طبقة جديدة من المجتمع المصري طبقة ثرية وغنية تمتلك الأموال الكثيرة والثروات الباهظة وصنعت فيما بينها تكتلات مالية ضخمة وأصبحت هذه الفئة هي عنوان المرحلة مرحلة الانفتاح الاقتصادي ودخلت بثقافتها التي تعتمد على الشطارة والفهلوة وتشابك العلاقات وتداخل المصالح والمكاسب المتبادلة دخلت هذه الفئة وهي تفتقد لكل أدبيات وذوقيات وكلاسيكيات أصحاب المال المتداخل في الأصول والعائلات والتربية والتعليم الراقي وكان من الطبيعي حينما تظهر طبقات الأثرياء من عصر الانفتاح أن تبحث لها عن مكانة في المجتمع تعوض من خلالها مراحل التهميش والفقر الاجتماعي واعتمدت على المال والمال فقط لكي يعوضها  ويشتري لها ما حرمت منه وكان من الطبيعي وبعد كل هذه السنوات الطويلة أن تخرج أجيال متعاقبة لهذه الطبقة الجديدة وتتداخل في الحياة العامة حتى جاء عصر مبارك وحدث فيه ما هو أكثر من الانفتاح وما هو أبشع من السداح مداح حيث تكونت في عصر مبارك أيضا طبقة من الأثرياء الجدد صناعة يدوية محكمة ولكنهم من نوعية خاصة ثراء مرتبط ومشروط بالولاء والانتماء لمن صنعه ولمن أوجده ولكن ما يميز انفتاح مبارح أنه صنع طبقة قوية متجذرة في روافد المجتمع ومتداخلة في كل قطاعات الاقتصاد والمال والسياسة والرياضة والفن والمجتمع وكان من ذكاء ودهاء من صنعوا وأوجدوا طبقة مبارك أنهم أمسكوا بدقة وتحكم شديد في مفاصل التجارة والاقتصاد والاحتكار في عصرهم وبطريقة تجعل من الصعب أو من المستحيل فك تداخلهم وارتباطهم بمفاصل التجارة والاقتصاد داخل الدولة وكان من أولويات العمل لديهم هو احتكار الكثير من السلع الاستراتيجية والهامة والمرتبطة بحياة المصريين وبإيقاع الحياة والمجتمع المصري حتى تظل هذه الطبقة وهذا الفريق الشيطاني متحكما وبشكل مؤثر وقوي في ضبط إيقاع الشارع المصري وتوجهات الراي العام وعلى ذلك وجدنا أزمات اقتصادية متكررة تضرب الأسواق المصرية وتؤجج من ضغط الرأي العام ووجدنا سلعا تختفي فجأة وفي توقيتات محددة وكأنها تظهر وتختفي بريموت كنترول حتى حسابات ونظريات علم الاقتصاد فشلت في تبرير ما يحدث في الأسواق المصرية ولكن ما يميز هذه الطبقة وهذا الفريق هو التناغم المنظم والدقيق في صناعة الأزمات التي تضرب الأسواق بداية من السلع الغذائية والاستهلاكية وأغلب الصناعات والتجارة والتوكيلات ووصولا إلى التحكم في تجارة العملة والسوق السوداء واختيار التوقيتات بعناية ودقة متناهية وغالبا ما يكون التوقيت مرتبط بأزمة دولية أو إقليمية ضاغطة على مصر خيوط متشابكة ومعقدة ومرتبطة ببعضها البعض حتى وإن تلاقت المصالح والأهداف مع جماعة الإخوان الإرهابية لا شيء يحدث في هذا العالم مصادفة وكان من الضروري أن تمتد هذه الطبقة بعلاقاتها واتصالاتها الخارجية مع الداخل والخارج واختلطت الثروات والمصالح والشركات بالأجندات السياسية التي تخدم أهدافا محددة وتتلاقى عند نقطة واحدة وهي كيف للجمهورية الجديدة أن تنهض وتكمل مسيرتها باقتصادها القوي الذي يقوم على العمل والتنمية والإنتاج وكيف لمقاييس المحاسبة والشفافية أن تستقر وتكمل مسيرتها مع الجمهورية الجديدة وأين تذهب هذه الإمبراطوريات الضخمة بمشاريعها ومخططاتها وأهدافها السياسية المحددة وكيف لهذه الجمهورية الجديدة أن تبني وتؤسس لحياة سياسية جديدة وممارسات سياسية صحيحة تقوم على حقوق المواطنة والتعبير واحترام الحريات والحقوق وكان من الطبيعي أن مخططات وأهداف الجمهورية الجديدة تفزع الجميع في الداخل والخارج وأصبح الجميع يتوقع أن الجيد سوف يطرد الرديء وكيف لهذه المصالح المتشابكة والمعقدة أن تفسح المجال لأركان الجمهورية الجديدة خاصة وأن والبعض منها متداخل في معادلات أساسية في الدولة ومن هنا تعددت الأسباب على مواجهة مشروع الجمهورية الجديدة ومحاولة إيقافه أو حتى تعطيله وترك الميراث القديم في مجالات الحياة الثقافية والرياضية والسياسية والفنية على ما هو عليه حتى تظل الأرض المصرية جرداء لا تنبت أحلاما ولا تروي تطلعات المستقبل عند أبنائه وشبابه وحتى تدخل الجمهورية الجديدة في عهدها الجديد بأزمات اقتصادية وعقبات هائلة لعلها تغير من راي قادتها أو توهن من عزيمتهم في استكمال مشروعات وبناء مصر الحديثة

زر الذهاب إلى الأعلى