مختار محمود يكتب: غزة والأزهر والمرجفون في المدينة
أسقط العدوان على غزة ورقة التوت الهشَّة الجافة المتآكلة عن عورات سياسيين ومثقفين وإعلاميين مصريين.
معهد إسرائيلي متخصص في دراسات وأبحاث الأمن القومي هاجم شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب مؤخرًا بضراوة وحقد، ووصمه بدعم الجماعات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط، وطالب بإدخال تعديلات تشريعية عاجلة على قانون الأزهر؛ تسمح بإقالة شيخه في أي وقت، حيث يُحصِّن قانون الأزهر الحالي شيخ الأزهر من الإقالة. خاض المعهد أيضًا في شأن الموارد المالية للمؤسسة السنية الأكبر..”يمكن الاطلاع على نص بيان المعهد كاملاً عبر الفضاء الإلكتروني”.
اللافت في بيان المعهد الصهيوني تقاطعه مع مطالبات ضاغطة من سياسيين مثقفين وإعلاميين خلال السنوات الماضية.
مجلس النواب في زمن رئيسه خامل الذكر الدكتور على عبد العال خلال الفترة 2016-2020 شهد مشروعات قوانين وخططًا ماكرة لتعديل قانون الأزهر؛ بما يسمح بإقالة شيخ الأزهر الشريف؛ بهدف إبعاد الدكتور أحمد الطيب “تحديدًا” عن منصبه. “الطيب” ينتمي إلى جيل علماء الدين الحقيقيين الذين لا يقبلون في أمر دينهم الدنيئة، ولا يشغله مسخ الأجواخ ولا قلب الحقائق ولا مغازلة السلطان، في أي زمان ولا مكان.
كما خاض نواب سابقون في ميزانية الأزهر الشريف وموارده المالية، وولغوا فيها ولغًا شديدًا، وقالوا كلامًا مغلوطًا، يعلمون قبل غيرهم أنه محض افتراء، ومجرد لغو ساقط.
ظل هؤلاء النواب على غيهم يعمهون، حتى أبطل الله كيدهم، وتم إلغاء مشروع القانون، واعتباره كأن لم يكن، وغاب أصحابه تمامًا عن المشهد العام، ومعهم كبيرهم “عبعال”؛ بعدما فشلوا في تنفيذ مخططهم الآثم، ومهمتهم التي كُلفوا بها..مكر السييء ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله، وهم وأشياعهم أهله وعشيرته!
هذه الهوجة البرلمانية واكبتها حملات صحفية ومقالات صاخبة؛ استهدف أصحابها النيل من الأزهر الشريف تارة، ومن فضيلة الإمام الأكبر تارات كثيرة. كانت هذه الكتابات تذخر بالأكاذيب والسموم الناقعة والتدليس الواضح والتلفيق الساطع والكراهية المفضوحة.
وبطبيعة الحال..انتقلت أصداء هذه الحملات الشيطانية إلى البرامج التليفزيونية التي انحاز مقدموها، دون وعي أو بتعليمات فوقية، إلى القطيع المعارض للأزهر الشريف مؤسسة وشيخًا، وخاضوا فيها مع الخائضين.
وعطفًا على بيان المعهد الإسرائيلي..فإن أية محاولة بحثية بسيطة تعتكف بضع دقائق عليه وتقارنه بمحتويات الحملات والبرامج والمداخلات البرلمانية التي استهدفت الأزهر الشريف في هذه الفترة لن تجد صعوبة في إدراك أنها جميعًا تصدر من معين واحد، معين آسن آثم، قائم على التحريف والتخريف والتخريب.
وقف الأزهر الشريف منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وانتقد بشدة صمت المجتمع الدولي عن المجازر التي تستهدف المدنيين العزل، وأصدر البيان الغاضب تلو البيان، وهو ما لم يرُق للجانب الصهيوني، ولكن عندما يصدر بيان مطول من معهد بحثي صهيوني يتضمن نفس النقاط والبنود التي انشغل بها نفر من البرلمانيين والمثقفين والإعلاميين شهورًا وسنين عددًا، فإن الأمر جد خطير، ويلقي كثيرًا من الأحجار الثقيلة في المياه الراكدة، ويكشف أبعاد المخطط الماكر.
قبل عامين..كشف الإعلامي المصري البارز حافظ الميرازي عن أن الإدارة الأمريكية أنتجت برنامجين بأموال طائلة لـ”إبراهيم عيسى” و”إسلام بحيري” لنقد النص الإسلامي، مضيفًا أن تلك السياسة التي تخص المجتمعات العربية والإسلامية، تتم من خلال الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي التى تُشرف على قناة “الحرة” الأمريكية.
كانت قناة “الحرة” قد خصصت –بالفعل- برنامجين من برامجها لـ “إبراهيم عيسى” و”إسلام بحيري”، كان هدفهما الواضح كسر الثوابت الإسلامية وتشويه ما وقر في قلوب المسلمين وأفئدتهم، وإهانة العلماء والأئمة المتقدمين، وكسر هيبة الأزهر الشريف، وتفكيك الخطاب الإسلامي الكلاسيكي، واستبداله بـ”إسلام إمريكي” ذي مواصفات خاصة جدًا.
وإذا ربطنا بين هذه المعلومات وبين ردة فعل “عيسى” و”بحيري” وأقرانهما وأشياعهما في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام المختلفة على عملية “طوفان الأقصى” منذ اليوم الأول، أيًا كانت تداعياتها اللاحقة فيما بعد، والغمز واللمز والتدليس والتلفيق والازدراء والتنمر الذي مارسوه ضد المقاومة الفلسطينية ورموزها، لن نجد أدنى صعوبة في
تجميع أطراف المؤامرة وعناصرها.
هؤلاء المراوغون المرجفون في المدينة لم يطيقوا صبرًا وهم يجدون أسطورة الكيان الصهيوني تهتز تحت وقع عتاد المقاومة الفلسطينية وراحوا بتعليمات مباشرة من أسيادهم يبثون الأكاذيب والأباطيل دون خجل أو وجل، كما تلفق بعضهم بيان المعهد الصهيوني المتطاول على شيخ الأزهر الشريف ورددوه كالببغاوات فرحين به مبتهجين، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر وأعظم وأشد حمقًا وبؤسًا.