ياسين غلاب يكتب : في ذكرى حرب أكتوبر..حروب مصر تغير التاريخ والعالم
سواءً كانت نصرًا أو نكسة تغير الحروب المصرية مسار التاريخ والعالم لأن المصريين لا ينهزمون؛ أي لا يستسلمون وهذا سر بقاء مصر منذ فجر التاريخ إلى الآن. المصري لا يقبل الضيم سواء حط على أرضه أم عرضه أم دينه. ذلك سر مصر الذي لا يعرفون؛ فتأثير هذه الحروب في الماضي والحاضر له صدى يتجاوز حدود الأمة وحدود الإقليم ويمتد إلى العالم.
لم تكن حرب 48 التي شارك فيها الجيش المصري هزيمة أو نكسة بالمعايير الحديثة لأن مصر كلها كانت واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي المباشر؛ وتحت نيران التخلف بكل أنواعه، بل كانت مسرحية هزلية رسمتها الإمبراطورية البريطانية لكن هذه الحرب أفرزت بشكل مباشر ثورة 1952 المجيدة والقاصي والداني يعلم تأثيرات هذه الثورة في طرد الاستعمار العسكري الغربي الحديث من مساحات هائلة في العالم أهمها في الوطن العربي والقارة الإفريقية وفي وجود حركة دولية أطلق عليها حركة عدم الانحياز؛ أي قطب ثالث بين القطبين الكبيرين في ذلك الوقت.
ربما كان تأميم قناة السويس السبب المباشر في حرب 56؛ إلا أن الحرب نفسها كانت تهدف ككل الحروب على مصر إلى إبقائها ميتة أو تحت الضغط والحصار في أسوأ الأحوال. وعندما هب الشعب وجيشه الوليد لمقاومة ثلاثة من أعتى دول العالم عسكريا في ذلك الوقت، الإمبراطورية البريطانية والفرنسية وإسرائيل المدعومة من كل العالم وقتها؛ غير مسار التاريخ مرة أخرى وأحال الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية إلى التاريخ حيث ورثتهما الولايات المتحدة الأمريكية.
مرة أخرى تأكد للعالم القديم أهمية هذا الوطن العظيم؛ حيث جاءت نكسة 1967 والتي بالمناسبة لم تكن حربا تقليدية بين طرفين، إذ شارك فيها العالم كله تقريبا ضد مصر؛ فشاركت الولايات المتحدة بـ 20 طائرة ضربت القوات المصرية من الخلف وانطلقت من قاعدة هويلس الليبية، و20 أخرى بريطانية انطلقت من قاعدة الظهران في السعودية و40 طائرة أخرى فرنسية وجنوب إفريقية أقلعت من المطارات الإسرائيلية؛ و146 طيارًا من جميع أنحاء العالم جاءوا يقاتلون ويضحون بأنفسهم فداء لهذا الكيان الصهيوني الذي انتشرت عقيدته من الولايات المتحدة إلى كل المؤمنون بعودة السيد المسيح وفقا للعقيدة الصهيوأمريكية؛ كما شاركت حاملات طائرات أمريكية وأموال وطائرات وعتاد عسكري من ألمانيا وكل الدول الغربية؛ ومع ذلك لم تنهزم مصر بل انتكست وهبت جموع الشعب غاضبة تعلن الحرب وعدم الاستسلام “هنحارب”.
جاءت حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان من عام 1973 لتكون هي الأخرى حرب انتصار عالمية أيضا. ساعد العالم الغربي كله الكيان الصهيوني في إقامة تحصيناته ليس بالمال والسلاح والعلم فقط بل بالإعلام أيضا. لم تهن عزيمة المصريين بل أعدوا ما استطاعوا من قوة وكانوا على يقين من النصر كعادتهم؛ وهنا سخر الله لهم أشقائهم فساعدوهم وسخر لهم الاتحاد السوفيتي فساعدنا، في مقابل قوى الغرب وأعوانهم ونجحنا في العبور وفي الانتصار والذي لا تزال أسراره كلها لم تكشف بعد؛ ولتخفيف حدة هذه الانتصار أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بجسر جوي هو الأعظم في التاريخ وجددت لها القسم الأكبر من سلاحها بل وأمدتها بمقاتلين وكل أنواع الدعم اللوجيستي. ومع ذلك غيرت هذه الحرب من أساليبها وتكتيكاتها في العالم وغيرت موازين القوى الاقتصادية فلم يعد برميل النفط بدولار، وأدرك العالم أهمية الطاقة بأنواعها فكان إنشاء مجموعة السبع ومجموعة العشرين نتيجة لهذه الحرب؛ ونتائج أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
وأخيرًا وليس آخرًا؛ جاءت حرب الإرهاب والتعمير بعد 30 يونيو؛ بعدما ظن العالم مرة أخرى أن مصر قد خنعت وخضعت؛ فإذا هي كالعقاب تبعث من جديد؛ وتقضي على أكبر مخطط غربي للهيمنة على العالم فتعيد مرة أخرى إلى تعدد القوى والقطبية، فتعلن الصين عن مبادرتها للحزام والطريق في أكتوبر 2013 وتظهر داعش في 2014 ويغير نظام الحكم في أوكرانيا بثورة ميدان من نفس العام وتجهض مصر المخططات الرامية لاستبدال قناة السويس وتحافظ على ما تبقى من النظام العربي وتهتز منطقة الساحل والصحراء وتعود لأبنائها؛ وتبادر روسيا للهجوم خارج أراضيها وتتحدى الغرب؛ ويدخل العالم في حالة اللاسلم واللاحرب. تعرضت مصر ولا تزال إلى كل أنواع الحروب ومع ذلك بقيت مصر واندثر غيرها واضمحل ويكفي أنها تقريبا الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لسبع حروب في أقل من 70 عاما.