ياسين غلاب يكتب: قناة السويس وحرب الممرات الاقتصادية العالمية
لنتخيل خريطة للعالم. هناك قناة السويس ومعها مضيق باب المندب ومضيق هرمز ومبادرة الحزام والطريق ومعها مضيق مالقا وقناة الفولجا التي تربط بحر قزوين بالبحر الأسود وممر “زانجيزور” بين أذربيجان وأرمينيا والممر الهندي الخليجي الأوروبي وممر اقتصادي جديد يربط بين أنجولا على المحيط الأطلنطي والكونجو الديمقراطية وزامبيا المزمع توسيعه للربط مع المحيط الهندي حيث يتقاطع مع طريق القاهرة- كيب تاون عبر النيل.
بنظرة بسيطة سنكتشف أن هذه الممرات أو القنوات أو المضائق هي محور الصراعات المشتعلة في الوقت الحالي وجميعها بلا استثناء من يشعل فتيل الحرب فيها هي الولايات المتحدة ومعها الغرب.
ليس صحيحا أن الغرب هو من يواجه الصين ردًا على مبادرة الحزام والطريق. الصحيح هو أن الغرب كان قد أكمل مخططه للهيمنة على العالم عن طريق الاستيلاء على المنطقة ما بين حدود المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء إلى تخوم الصين وروسيا للاستيلاء على مواردها وتمويل هيمنته جنبا إلى جنب لتمويل تكنولوجيا الطاقة المتجددة وتغيير النظام المالي العالمي لقرن مقبل.
قضت مصر على المخطط الغربي في 30 يونيو بإجهاضها على أداة التنفيذ الجماعة الإرهابية وروافدها. في أكتوبر 2013 أعلنت الصين عن مبادرة الحزام والطريق. لاحظ التاريخ. هذه المبادرة يمر أهم طرقها الذي يبدأ في ميناء جوادر الباكستاني ويرفد بالممرات المتصلة بمضيق مالقا إلى قناة السويس ومنها إلى أوروبا حيث السوق لاستهلاك المنتجات الصينية وإلى أفريقيا حيث الاستثمارات القائمة على تبادل الموارد مقابل البنية التحتية. الممرات الأخرى للمبادرة عبر دول الطوق الصيني وأهمها دول آسيا الوسطى ثم موسكو وأوكرانيا إلى ألمانيا وشمال أوروبا كلها.
المخطط الغربي كان يستهدف كل فروع المبادرة وأهمها الطريق الأقصر والأوفر كلفة والأكثر آمانا للشحن البحري والذي يمر عبر قناة السويس وهذا أبطلته مصر. إشعال الحرب في أوكرانيا كان يستهدف قناة الفولجا التي تربط بين البحر الأسود وبحر قزوين حيث مخزون النفط والغاز الهائل وحيث دول آسيا الوسطى الغنية بالموارد. لهذا أيضا كان احتلال أفغانستان والعراق بحجة أحداث 11 سبتمبر لتمهيد الطريق.
تدرك القاهرة براجماتية الغرب فكانت خطة تدشين قناة سويس جديدة وبنية تحتية عملاقة تواجه بها المخاطر الخارجية والداخلية على حد سواء. اقتنع الغرب بالمشروع المصري ووافق على التمويل ليكون مدخل أوروبا إلى أفريقيا والاستثمار فيها عن طريق البنية التحتية والكوادر المصرية من جهة وعن طريق الاستثمار في الطاقة المتجددة من جهة أخرى.
دخلت روسيا على الخط وأجهضت المخطط الغربي للاستيلاء على قناة الفولجا باستيلائها على شبه جزيرة القرم وتحويل بحر آزوف إلى بحيرة روسية وضم أوسيتيا وأبخازيا على الناحية الأخرى من البحر الأسود ثم هبطت على سوريا لتأمين قاعدتها للوصول إلى المياه الدافئة. أكملت موسكو هدفها بالدونباس فاشتعلت الأسعار وشحت الموارد التي تمول الماكينة الصناعية الغربية فارتفع التضخم فردت أمريكا برفع سعر الفائدة على الدولار.
كانت القاهرة أيضا تدرك أن الغرب لا أمان له، فساهمت في بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية بمليار دولار في 2016 وربما كان ذلك عن اتفاق – مجرد تكهن – تمهيدًا للانضمام إلى البريكس. خالف الغرب شروط الاتفاق وتلكأ في التمويل واستخدم سلاح الدولار على الجميع فاستدارت القاهرة وطبقت خطتها البديلة وانضمت إلى البريكس.
الغرب لم ييأس فما زال يمتلك من القوة ما يحاول به “خلط الأوراق”. أعلنت واشنطن عن ممر هندي خليجي يمر بميناء حيفا في إسرائيل، المشروع سياسي بحت لأن واشنطن أقل المستفيدين منه كما أنه سيستغرق حوالي 15 سنة ولا يمثل شيئا بالنسبة للتجارة العالمية ويصعب إن لم يستحيل تنفيذه فصادرات الهند 720 مليار دولار بينما صادرات الصين 3.5 تريليون دولار؛ كما أن هدفه الجوهري هو التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
لمعاكسة الصين مرة أخرى تم الإعلان عن ممر اقتصادي أفريقي يربط الكونجو الديمقراطية بأنجولا من جهة وزامبيا من جهة أخرى. الكونجو حيث الماس والموارد الأخرى، وزامبيا المطلة على النيل؛ حيث طريق القاهرة كيب تاون الجاري إنشاؤه.
أصبحت مبادرة الحزام والطريق لا تستطيع الاستغناء عن القاهرة بتعظيم دور قناة السويس وبتعظيم مكانة مصر بالبنية التحتية وحيث المنطقة الاقتصادية الصينية. بالمناسبة أول قاعدة بحرية صينية وحيدة خارج أراضيها في جيبوتي. ربطت القاهرة نفسها مع الدب الروسي بمنطقة صناعية روسية وشراكة استراتيجية ومفاعل الضبعة النووي.
ذلك هو جوهر الصراع وعرضه المؤقت هو الأزمة الاقتصادية التي ستنتهي بإذن الله بالانضمام إلى البريكس أو على الأقل ستخف وطأتها كثيرًا.