مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب : “في حبك يارب ” الحلقة الرابعة والأخيرة

" وكم لله من لطف خفي "

في حبك يارب ترفق بنا ، وبحبك يارب تتلطف بنا ، في حبك يارب تصنع لنا المعجزات ، وبحبك يارب تسندنا وتقف معنا وقت الملمات ، في حبك يارب نغيب ونمشي ونرحل ونسافر ونترك عندك الأمانات ، وبحبك يارب تحفظها وترعاها لنا طوال الأوقات ، في حبك يارب تواجهنا المواقف والصعوبات والأحزان ونقف عاجزين ، وبحبك يارب ترسل لنا لطفك وسحائب رحماتك حتى نعود مطمئنين ، في حبك يارب ندخل الامتحانات وتتوالى علينا الاختبارات ، وبحبك يارب تجعل لنا قدرا من حنانك وتجعل لنا نصيبا في النجاحات ، في حبك يارب تعطينا قبس من نور ولطائف ورحمات ، وبحبك يارب تغسل قلوبنا وقت الشدائد بنسائم الرحمات في حبك يارب تتوقف حسابات البشر الطبيعية ، وبحبك يارب تذهلنا من كرم وجمال العطية ، في حبك يارب ندرك معنى وقيمة لطفك بنا ، وبحبك يارب لا نعرف كيف نشكرك على ما قدمته لنا  في حبك يارب ننكسر وتجبرنا ونضعف وتقوينا ونتبعثر وتضمنا وتجمعنا ، ” وكم لله من لطف خفي “

 منذ ثلاث سنوات وبعد رحلة عودة من الكويت لقضاء إجازة نصف العام وصلت رحلة أسرتي يوم الجمعة مساء وكنت على تواصل معهم حتى وصولهم إلى المنزل هنأتهم بسلامة الوصول وحمدت الله على سلامتهم ارتاحت اسرتي من تعب ومعاناة السفر وفي صباح السبت اليوم التالي لوصولهم مارست زوجتي طقوس المنزل التقليدية والمعتادة من تنظيف وترتيب بعد غياب وسفر طويل وانتهى اليوم وما زالت بعد المهمات لم تنته بعد وتم تأجيلها على أن يتم استكمالها صباح اليوم التالي ومع قرب نهايات فصل الشتاء والتي ما زالت أجواءه تداعب الطقس والناس من لفحات البرد وسكون وصمت ليل الشتاء ومع تأخر ساعات الليل ووسط هذه الحالة من الهدوء وطقوس النوم يشق هذا السكون وهذا الصمت صوت جارتي في العمارة المقابلة لنا وهي تصرخ بأعلى صوتها وهي في حالة من الخوف والفزع الشديد :

الحقوا يوسف الحقوا يوسف خبطوا على الجيران صحوهم أنقذوا يوسف

سقط ابني يوسف من أعلى البيت من الشقة من الدور الثالث ونزل على الأرض على الأسفلت وظل فترة طويلة من الوقت وهو ملقى في الشارع ولم يسمع صوت أنينه وألمه أحد حتى خرجت جارتي إلى البلكونة صدفة ووجدته ملقى على الأرض وقع يوسف على الأرض وبين رأسه وحافة الرصيف سنتيمترات قليلة معدودة (وكم لله من لطف خفي)

تجمع الجيران وتصادف مرور جورج الشاب الشهم النبيل وصديقه وأسرعوا بيوسف إلى المستشفى المركزي وبعد لحظات قليلة لحقهم أخي أحمد وبقية الجيران وجاري الشهم الاصيل ماجد توفيق مجلي والذي اصطحب زوجته وظل مرافقا لأخي ولابني يوسف خاصة بعد رفض المستشفى المركزي استقبال الحالة والتعامل معها وتحويلها إلى مستشفى أسيوط الجامعي كالمعتاد في مثل هذه الحالات وغيرها وهناك وصل يوسف إلى المستشفى الجامعي يرافقه أخي وأصدقائه وجاري ماجد توفيق وزوجته والذي أصر على ألا يترك يوسف وأصر أيضا على ملازمته حتى يطمئن عليه مهما حدث وعرض تقديم كل العون والمساعدة حتى وإن تطلب الأمر علاج يوسف في أي مكان في مصر وفي خارج مصر وتواصلت رحلة الفحوصات والأشعات والتحاليل في المستشفى الجامعي إلا أن جاءت النصيحة من أحدى الطبيبات لأخي ومن معه ” خد ابن اخوك وعالجه بره لو عايز تلحقه وتعالجه كويس ” وبالفعل قرر أخي ومن معه نقل يوسف إلى مستشفى خاص لعلاج إصابات الكسور والحوادث وحالات العظام وصل يوسف إلى المستشفى الخاص وبعد رحلة طويلة من الكشوفات والفحوصات والأشعات تعجب الأطباء كيف له أن يكون بهذه الحالة مع ارتفاع المسافة وشدة الارتطام بالأرض كيف لم تصل به الإصابات إلى ما هو أخطر من ذلك وبعد مشاورات ومداولات طويلة بين الأطباء قرروا أنهم سيقومون بإجراء عشر عمليات جراحية وتشاوروا فيما بينهم هل سيقومون بإجراء العمليات الجراحية مرة واحدة أم أنهم سيقومون بإجرائها على مرتين واتفقوا على أنهم سيقومون بإجرائها مرة واحدة ” عشر عمليات جراحية مرة واحدة تشمل كل أنحاء جسده من أول أطراف أقدامه حتى نهاية العمود الفقري بالقرب من رأسه ” ولم يقبل الأطباء التحدث في نتائج العمليات أو حتى النتائج المتوقعة وكل ما قالوه أنهم يرجون من الله الخير وفي كل الأحوال لابد أن نقبل بالنتائج أيا كانت .  انتهى الأمر.

” عملت كل اللي عليك حاولت بكل ما تملك أنك توفر لابنك أفضل شيء موجود في الطب والعلاج مش مهم الفلوس أيا كانت ومش أي حاجة في الدنيا أيا كانت قيمتها المهم انك تعالج ابنك وتنقذه وتشوفه بخير ولما تقف مع نفسك وتفكر وتشوف انك ضعيف وعاجز ومش لاقي حاجة تعملها وان الدنيا كلها على اتساعها وحجمها بتيجي في لحظة ضعف وعجز وانكسار تكون قدامك خرم ابرة صغير شايف منه بصيص نور ورحمة ولطف من بعيد مفيش قدامك أي حاجة تعملها ”

وتبدأ رحلة العمليات الطويلة والكثيرة وبعد مرور وقت طوووويل يخرج الطبيب رئيس الفريق المعالج ويقول ” احنا مش عارفين العمليات بتاعة يوسف اتعملت ازاي وزاي خرجت بالنتائج دي اللي احنا نفسنا مكناش متوقعينها الحمد لله ”  

ويستاءل أحد الأطباء ” إزاي يقع من الدور الثالث وعلى الأسفلت وكل جسده يصاب بكسور بالغة ما عدا رأسه سليمة تماما سبحان الله ” كل العمليات دي مع صعوبتها ودقتها وتعقيدها وتطلع بالنتائج العظيمة دي الحمد لله 

وتتواصل رحلة العلاج الطويلة بعد العمليات الكثيرة من الأيام والشهور ومع الرحمة واللطف من الله حتى يكمل الله سبحانه وتعالى فضله وكرمه علينا ويعود يوسف كما كان يمشي على قدميه سالما معافي.

” وتقعد مع نفسك تشكر ربنا بقدر ما تستطيع ولا توافي ويدور حوار بينك وبين نفسك: أحيانا بيكون لطف ربنا بينا ورحمته فوق ما نتخيل وأكبر مما نتوقع ولما ربنا سبحانه وتعالى يرحمك ويسترك ويلطف بيك ويقف جنبك في محنتك وفي شدتك وفي ألمك وفي عجزك وضعفك بيكون أقوى وأرحم والطف بيك من كل الدنيا اللي انت فيها وتسأل نفسك سؤال هو أنا استحق كل الكرم ده من ربنا سبحانه وتعالى هو أنا استحق كل الرحمة وكل اللطف ده من ربنا هو أنا عملت ايه علشان أخد كل ده هو أنا بعمل ايه مع الناس ومع ربنا علشان أخد كل اللطف وكل الكرم ده الحمد لله الحمد لله .

أوعى في يوم من الأيام تستهين بخير بتعمله مهما كان أو بدعوة صغيرة من إنسان بسيط أو بجبر خاطر مع واحد مهموم أو مكروب أوعى تستهين بدعوة خالصة صادقة أوعى تستهين بدعوة أمك أو ابوك ورضاهم عنك يمكن هي الدعوة دي اللي سترتك ورحمتك ولطفت بيك وأوعي تستهين بمعروف أو حسنة أو جبر خاطر عملته مع حد تعرفه ولا حتى متعرفوش حتى ولو كان بسيط ما يمكن هي الحتة الصغيرة اللي عملتها دي هي اللي نورت عند ربنا وفتحت لك أبواب اللطف والرحمة والكرم فكانت حسابات ربنا معاك غير حسابات البشر والقصة كلها من أولها لأخرها مش بترتيبك ولا حساباتك أنت . فيه حسابات وترتيبات تانية كبيرة وعظيمة عند ربنا لكن في كل الأحوال خليك متأكد ان مفيش خير ولا حاجة بتضيع عند ربنا وأن رحمة ربنا ولطفه بينا أكبر وأعظم من أي شيء في الكون

 ” وكم لله من لطف خفي ”

زر الذهاب إلى الأعلى