راندا الهادي تكتب: ثقافة الـ (أي حاجة) عند الرجال!!
عندما أصدر الطبيبُ النفسي (چون غراي) كتابَه المشهور (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) عام ١٩٩٢م، اِعتقد البعضُ أن الخلافاتِ الأزلية بين الرجل والمرأة مرجعُها اختلافُ طبيعةِ الجنسين البيولوجية، يعني اختلاف دماغهم وطريقة تفكيرهم، وببساطة، لو عرف كل واحد منهم طريقةَ التواصل الصحيحة مع الطرف التاني ستنتهي ٩٩٪ من المشكلات بين الرجل والمرأة.
لكن للأسف كتاب (غراي) أغفل أمرًا غاية في الأهمية، وهو خصوصية الرجل المصري وتفردُ شخصيته عن غيره من الرجال على كوكب الأرض، فـ (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)!! ما زال الوضعُ بين الرجل والمرأة في مصر مجهولَ التفسير والتحليل، مستعصي على الفهم!
وفي هذا المقال سأبتعد تمامًا عن الأساليب الهابطة لـ (ركوب الترند) لشخصيات مثل (ياسمين عز) و (رضوى الشربيني) وغيرهما، والتي أثارت تصريحاتُهما _ منذ فترة _ حفيظة رواد الـ (سوشيال ميديا) من الرجال قبل السيدات، وبالتالي تحقّقَ لهما المراد، لذا سأناقش جانبًا صغيرًا جدًا من شخصية الرجل المصري، وثقافته في التعامل مع المرأة أو بالتحديد مع زوجته.
ثقافة الـ (أي حاجة)… ماذا تعني؟! سأخبركم _ الصبر جميل خاصةً إن كان الحديثُ عن الزوج المصري _.
لفت انتباهي من ملاحظات وحكايات لا تُعد ولا تُحصى أن الرجلَ المصريَّ قبل الزواج يكون شديدَ الملاحظة، دقيقَ التفاصيل، متداخلًا مع المرأة في كل تفصيلةٍ بحياتها، وكأنه (شارلوك هولمز)! أين تذهبين؟ ماذا تأكلين؟ أي طقم سترتدين؟!! حتى هذا القدْر، الأمور طبيعية قد يكون اهتمامًا، شغفًا، إثباتَ وجود، فراغًا!! الله معه! لكنَّ ما يستوقفني هنا هو التحولُ العجيب الذي يحدث في هذا السلوك بعد الزواج؛ فبدون مقدمات تقفز ثقافة الـ (أي حاجة) على السطح، وتصبح تلك الإجابة هي الردَّ الرسمي للزوج المصري في كل المناسبات بلا تفرقة أو تمييز، مثلا عندما تسأله زوجته: ماذا أطبخ غدا؟ يرد: أي حاجة! أي هدية أشتري لفلان قبل زيارتهم؟ يرد: أي حاجة! ما الهدية التي سنهدي بها ماما في عيد الأم؟ أي حاجة! وتصبح الـ (أي حاجة) الحاضرَ الغائب في أي حوار وكل حوار بين الرجل المصري وزوجته داخل البيت وخارجه!
الغريب في الموضوع ليس فقط اعتمادَه لتلك الإجابة الأزلية، ولكن عدم إدراكه مبرِّرًا لغضب المرأة إذا ما أثارها هذا التجاهل وعدم الاهتمام، وفورا يلجأ لشمّاعة (حُب السيدات الفِطري للنكد والخلافات) الذي يجري من جسمهن مجرى الدم!
أنا هنا لا أعترض على ثقافة الـ (أي حاجة)، أبدًا بالعكس، لقد اعتدتُ عليها، و مثلما يقال (اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش)!! تعجبي هنا من أمرين، الأول: ارتباط ثقافة الـ (أي حاجة)، بالزواج حيث إنها نادرة الظهور في أي مرحلة سابقة، ثانيا : عدم إدراك الرجل لمبررات المرأة في الغضب من الـ ( أي حاجة)!
لذا يقف كتاب (جون غراي) ونقف بجواره عاجزين عن إدراك أبعاد هذه الثقافة عند الرجل المصري، متمنين يومًا ما أن تتحول ثقافة الـ (أي حاجة) إلى حاجة محددة، تعيد الرجلَ المصري إلى المشاركة في الاختيارات الحياتية مع زوجته، وتبعث دِفْءَ المشاركة وجمالَ الاهتمام من جديد في علاقته مع المرأة بعد الزواج، جعلنا الله (محضرًا للخير)!!