د.سوزان القلينى تكتب : هو أنا كان مالي؟!!
في نهائيات كأس العالم الذي نُظمت فعالياته في العاصمة القطرية الدوحة، استمتع الجمهور في العالم أجمع حتى الدول التي لم يكن لها فرق رياضية مشاركة في البطولة بمباريات احترافية ومستوي عال من الأداء سواءٌ علي مستوي التنظيم، التأمين، التحكيم، والتعليقات الممتعة من المعلقين علي اختلاف جنسياتهم، وبالتأكيد فإن المتعة الأكبر كانت من روعة آداء جميع الفرق المشاركة في مباريات غاية في الجمال والاحترافية.
كان من حظي السعيد التواجد في فرنسا في المباراة النهائية لكأس العالم وكانت بين فرنسا والأرجنتين ومنذ الصباح الباكر وجميع الفرنسيين الذين قابلتهم تجمعهم درجة حماس عالية جدا لتشجيع فريق فرنسا في المباراة النهائية، وعلى الرغم من أن المباراة كانت يوم الأحد وهو يوم العطلة الرسمية في أوروبا، وجدت جميع المحلات مفتوحة وجميعها بلا استثناء رافعة شعارات لتشجيع فريقها فضلاً عن المطاعم والمقاهي التي قدمت تخفيضات كبيرة وبعضها قدم مشروبات مجانية احتفاءً بوصول الفريق الفرنسي لنهائي كأس العالم.
انتقل إلى الحماس الكبير وصممت أن أخوض تجربة المشاركة في احتفالات الفرنسيين بوصول فريقهم إلى النهائي وربما الفور بالكأس في المباراة التي تبدأ في السابعة مساء بتوقيت فرنسا.
عرفت أن الشارع الرئيس لإقامة الاحتفالات هو الشانزليزيه وكان الفندق الذي أقيم فيه على بعد خطوات منه، قررت النزول في الواحدة ظهراً متجهة نحو الشانزليزيه لتسجيل تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لي.
وجدت الشارع مُزيناً بكم هائل من الزينات والأنوار المبهرة التي بدأت تضوي كلما أقترب الظلام، ولكنها كانت احتفالاً بالكريسماس ورأس السنة ولافتات مرفوعة في كل مكان لتشجيع الفريق الفرنسي، ولكنني في الوقت ذاته لاحظت أعداداً كبيرة من سيارات الشرطة والأمن في كل مداخل ومخارج شارع الشانزليزيه! ومن هذا المنظر المخيف توقعت حدوث أعمال شغب عنيفة في حال خسرت فرنسا المباراة أو احتفالات هوجاء تؤدي الي تدمير الممتلكات العامة في حال الفرحة بالفوز وذلك استحضاراً للصورة الذهنية المبنية علي التعصب المقيت للجمهور في المباريات التي نشاهدها في التليفزيون.
بدأ توافد الفرنسيون والمقيمون على الشارع منذ الخامسة عصراً والجميع يرفع علم فرنسا بأحجام مختلفة وقررت أن أشتري علماً صغيراً للمشاركة، وتوجهت نحو بائع الأعلام وكان سعر العلم الصغير يورو واحد وإذا بشخص فرنسي وزوجته يبدو عليهم الحماس الشديد للفريق سألني عن هويتي وعندما علم بأنني مصرية أهداني علماً كبيراً لفرنسا لتشجيع الفريق الفرنسي معرباً هو وزوجته عن انبهاره بمصر وحضارتها وشعبها الودود وطلبوا التقاط بعض الصور سوياً.
في أقل من ساعة بدأ الشارع وكأنه خلية نحل لا تستطيع تمييز أحد من الكثافة الشديدة، ورجال الشرطة يؤّمنون الطريق على الجانبين ويتجاذبون الحديث والضحكات مع المشجعين ويرشدون كل من له سؤال إلى غايته بلطف شديد، وعلى الرغم من البرد الشديد والأمطار الغزيرة إلا أن الهتافات والغناء والرقص كان مدوياً إلي عنان السماء حيث لا فرق بين مشجع أوروبي أو عربي أو آسيوي الجميع واحد في حب الوطن وكرة القدم.
بدأت المباراة وكانت فرنسا في البداية متأخرة وعند كل هدف يدخل شباكها تنخفض الأصوات والغناء ويتوقف الرقص ثم يعلو علواً شديداً في حال إحراز فرنسا لأهداف التعادل، إلى أن جاءت اللحظات الأخيرة الحاسمة بضربات الجزاء الترجيحية والجميع يكتم أنفاسه انتظاراً للكأس والبطولة الكبرى.
أسفرت ضربات الترجيح عن خسارة فرنسا أمام الأرجنتين وفوراً بدأ قلبي يدق بشدة توقعاً لصورة رسمتها في ذهني عن أعمال شغب وتدخل الشرطة إلا أنني فوجئت بالجميع يطأطأ الرأس ويلتفت عائداً من حيث أتي دون سب، أو قذف، أو أي معاتبة، أو تحليل شخصي لأداء الفريق، بل علي العكس سمعت ثناءً علي آداء الفريق من كل المشجعين.
إجادتي للغة الفرنسية جعلتني أستمتع وأنبهر من آداء الشعب الفرنسي في التشجيع بلا تعصب وكذلك الشرطة الفرنسية التي منعت الدخول إلى الشوارع الجانبية مما أدي إلى أنني ضللت طريقي للفندق لمدة ثلاث ساعات متواصلة تحت المطر وتحت الصفر وأنا أردد بيني وبين نفسي هو أنا كان مالي؟!!!