مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: في ذكرى الصلاة الأولى بالأزهر الشريف

في الثاني والعشرين من شهر يونيو في كل عام، تحلُّ ذكرى افتتاح الجامع الأزهر للصلاة لأول مرة، قبل أن يدور الزمان دورته ويغدو الأزهر الشريف حِصن الإسلام القوي المنيع الذي تتحطم على صخرته كل محاولات هدم الدين الخاتم.
يُعدُّ الجامعُ الأزهرُ أولَ عمل مِعماري أقامه الفاطميون في مصر، وأولَ مسجد أنشئ في مدينة القاهرة التي أسسها جوهر الصقلي؛ لتكون عاصمة للدولة الفاطمية، وعندما اكتمل البناء تم افتتاحه للصلاة في السابع من رمضان 361 هجريًا، الموافق 22 من يونيو 971ميلاديًا، ولم يكن يُعرف منذ إنشائه بـ”الجامع الأزهر”، وإنما باسم “جامع القاهرة”، وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي، ثم توارى هذا الاسم واستأثر اسم “الأزهر” بالمسجد، فأصبح يُعرف بـ”الجامع الأزهر”، وظلت هذه التسمية إلى وقتنا الحاضر.
غدا الأزهرُ الشريفُ من أشهر المؤسسات الإسلامية على وجه الأرض، وتعاظمتْ مكانته الراسخة في السنوات الأخيرة محليًا ودوليًا تحت إدارة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب الذي ألقى كلمة جامعة مانعة يوم الأربعاء الماضي أمام مجلس الأمن، عبَّر فيها عن الروح الصافية للإسلام ورسالته السامية التي يسعى بعض الصغار إلى تشويهها.
لم يعرفْ الأزهر الشريف منصب “شيخ الأزهر” إلا في العهد العثماني، إذ لم يَجرِ النظامُ على تعيين شيخ له تعيينًا رسميًا، وكان المعروف أنَّ للأزهر ناظرًا يتولى شئونه المالية والإدارية ولا علاقة له بالنواحي العلمية، وهذا المنصب أنشئ في العصر المملوكي، وكان هذا الناظر يرأس الجهاز الإداري للجامع.
يُجمع المؤرخون على أن أول من تقلد المشيخة في تاريخ الأزهر الشريف هو: الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي المالكي المتوفى في العام 1690ميلاديًا، ثم توالى شيوخ الجامع الأزهر حتى يومنا هذا.
ورغم تعرُّض الأزهر الشريف، عبر تاريخه الذي يتجاوز الألف عام بأكثر من خمسين عامًا، لـ”مِحن وأزمات”، وصلت في بعض الفترات، إلى إغلاق الجامع وتعليق الصلاة فيه سنين عددًا، إلا أن التحديات التي يواجهها في السنوات الأخيرة، يمكن وصفها أيضًا بـ”العظيمة والجسيمة”، ولولا جسارة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لاتخذت الأمور أبعادًا مغايرة.
كان الأزهر الشريف ولا يزال هدفًا، سواء للتيارات المبتدعة في الدين، أو الباحثين عن الشهرة والذين ضجَّتْ منهم الموائدُ، ولكنه في كل مرة يثبت أنه أعلى قامة وأعظم شأنًا، من جميع خصومه وأعدائه، وأنه قادر على وأد أي مخطط آثم يستهدف النيل منه أو التقليل من دوره وتأثيره وحضوره.
من أجل ذلك..سوف يبقى الأزهر الشريف، حصنًا حصينًا للإسلام الوسطي، ترعاه السماء، وتحفظه الأرض، من كيد الكائدين ومكر الماكرين، ورحم اللهُ أميرَ الشعراء أحمد شوقي عندما أنشد:
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا/ وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا/ وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ/ في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا/ وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّماً/ لِمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا.

زر الذهاب إلى الأعلى